الواقع العالمي يتحول سريعاً عن هيمنة أميركية باقتصاد قوي وقوة عسكرية ضخمة إلى وضع جديد لم تكتمل ملامحه بعد ، مع اضمحلال الهيمنة الأميركية ، مما يتطلب مراجعة سريعة وجادة للسياسات التي تعتمدها الدول في منطقة الشرق الأوسط ، داخلياً وخارجياً أكان في المجالات الدفاعية أو الأمنية أو السياسية أو الدبلوماسية لتكون متناغمة مع التحول الذي يحدث على مستوى القوى العالمية . فهناك قوى صاعدة ، يجب أخذها بالحسبان ، مثل المكسيك والهند والبرازيل ، يتزايد دورها العالمي يوماً عن يوم ، ولم يعد الروس إلى جزيرة القرم بأوكرانيا فحسب ، بل أنهم عادوا للعب أدوار ، معظمها تعطيلية ، في الشرق الأوسط ، كما أنهم سعوا للعودة إلى أفغانستان بثقل اقتصادي متصاعد ، بينما يواصل الأميريكيون انسحابهم منها ، ووصف الرئيس الأفغاني السابق ، حميد كرزاي ، الإستثمارات الروسية في بلاده بأنها " استثمارات فعالة " ، لأنه يعتبر ، كما هو ظاهر من كلامه ، أن الاستثمارات الأمريكية والغربية غير فعالة . ويتحدث كثيرون عن هيمنة عالمية صينية اقتصادية وعسكرية ، إلا أن هذه الهيمنة لم تتم ولكنها تواصل نموها .. ومن المشكوك فيه أن تكون الهيمنة العالمية مستقبلاً لقوة عالمية واحدة ، مثلما تحقق لأمريكا بعد سقوط الإتحاد السوفيتي . فالغرب ، أوروبا وأمريكا ، سيكون له دور عالمي بارز ، إلا أنه يواجه ليس الصين فحسب بل روسيا أيضاً ويسعى في الوقت الحاضر لاحتوائهما ، وهو أمر من المشكوك أن يتم بعد أن أصبحت قدرات وإرادة أمريكا محل تساؤل داخل وخارج أمريكا . وبعد أن أعلن أوباما الرئيس الأمريكي ، وأكدت ذلك إدارته بأن أمريكا تسعى للإنكماش وتقليص التزاماتها العالمية ، وأخذت فعلاً بالانسحاب من كثير من المواقع في مختلف أنحاء العالم ، واتخذت الترتيبات المالية واللوجستية لتقليص القدرات العسكرية الأمريكية إلى ما يقرب من قدراتها قبل الحرب العالمية الثانية . السياسات والبرامج القومية لدول الشرق الأوسط ، تتطلب مراجعة لكامل سياساتها القديمة والقائمة ، ودراسة ما يجري حالياً في العالم من واقع ، يقلص فيه الأمريكيون من قدراتهم في مواجهة تصعيد الصين وروسيا والبرازيل والهند والمكسيك قدراتها ، ليس الإقتصادية فحسب بل والعسكرية أيضاً . وقد قامت الصين فعلاً بتأكيد رغبتها في التوسع العسكري دولياً عندما دشنت أول حاملة طائرات لها ستتيح لقواتها الإبحار إلى مختلف أنحاء العالم بأفرادها ومعداتها العسكرية بما فيها الطائرات المقاتلة . وتشير آخر التقارير الاقتصادية إلى أن الدخل القومي للفرد في أمريكا هو خمس مرات مثيله في الصين .. إلا أن الصينيين ينطلقون مسرعين للحاق بالأمريكيين وتجاوزهم ، ولا يستبعد مشاهدة هذا الإنجاز يتحقق خلال السنوات القليلة القادمة . وارتفعت حصة الصين من الاقتصاد العالمي إلى حوالي 12 % ، في الوقت الذي انخفضت فيه الحصة الأمريكية إلى ما يقرب من عشرين بالمائة وجميعها مؤشرات تشهد بديناميكية صينية مبشرة في المجال الإقتصادي . إعادة النظر في سياسات وتوجهات دول الشرق الاوسط تتطلب المشاركة في صناعة المستقبل على المستوى العالمي .. وقد شاهدنا خلال القرن الماضي كيف أقامت أمريكا عدداً من المؤسسات الدولية التي بنت عليها هيمنتها الحالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة ، ومجلس الأمن فيها ، وحلف الناتو ، الذي ضمت إليه الدول الأوروبية وتركيا ، وأخيراً منظمة التجارة العالمية . لذا فقد نشاهد إعادة بناء لهذه المنظمات لتناسب القادمين الكبار أو خلق كيانات دولية جديدة تشارك فيها القوى العالمية الجديدة . ويمكن للدول الأخرى ( غير ذات القوة العسكرية أو الاقتصادية العالمية ) أن تساهم بشكل ما في تكوين الكيانات الجديدة أو إعادة تشكيل المؤسسات الدولية القائمة لتناسب الوضع الدولي الجديد ولتحفظ لنفسها مكاناً في ظل عالم جديد متغير . adnanksalah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (5) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain