×
محافظة مكة المكرمة

لجنة مراقبة الأراضي بجدة تزيل 63 حوشاً مقامة بطرق غير نظامية

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي ... بدليل أن هناك اجتماعاً في «الويك اند» الحالي في مقر الأمم المتحدة بجنيف حول الموضوع، أثبتت هوليوود مجدداً أنها سبّاقة في تخيّل الواقع. وللتآمرين نظرية تقول إنها تُمهِّد له، بمعنى وجود «قصد» هو التعويد والإلفة خلف ذلك الخيال الذي تضبطه «حاكمية عليا خفية» تنسق بين تلك المؤسسة السينمائية الكبرى وبين السلطة السياسية والاقتصادية- الحربية في واشنطن... لا يهم! تيرميناتور ذاك الذي وُلد بداية على يد المخرج جيمس كاميرون عام 1984 (أي قبل زمن سحيق!) هو بطل فيلم خامس يرى النور في العام المقبل، بعنوان «النشأة»، وكأنه عَوْدٌ على بدء. وقبله كان هناك «روبوكوب» الذي يبدو بالمقارنة بدائياً. وفي الأثناء ولدت الطائرات بلا طيار، ثم أنظمة «القبة الحديد» المبرمجة لإطلاق صواريخ اعتراضية من تلقاء نفسها حالما تتحسس الحاجة الى ذلك، والتي طبّلت وزمّرت لها إسرائيل. اجتماع الأمم المتحدة جرى في إطار «الاتفاق حول بعض الأسلحة الكلاسيكية» الموضوع في 1980، وقد حضره خبراء وعلماء في البرمجيات، وكذلك ممثلون عن منظمات حقوق الإنسان الكبرى وعلى رأسها «هيومن رايتس ووتش» التي تقود حملة ضد أسلحة جديدة تسمى اختصاراً «المؤَتْمَت القاتل»، وتقوم على فكرة منح «تيرميناتور» وأقرانه استقلالاً ذاتياً عن صانعها الإنسان، بحيث تقرر هي متى وكيف تتدخل لتصفّي الأعداء. يقول المؤيدون إنها ستكون عرضة لارتكاب أخطاء أقل من أخطاء القرار الإنساني، لأنها موضوعية ومجردة من الانفعال، وذكاءها (الاصطناعي) في غاية التطور. لكنهم يقولون خصوصاً إنها ستوفر أرواحاً، والمقصود بالطبع أرواح الجنود التابعين للدول التي تستخدمها، بينما لا تذكر في هذا الصدد مسألة أرواح «الأعداء»، بالطبع! يقول المنتقدون، وعلى رأسهم العالم الشهير نويل شاركي الذي يدلي بدلوه في ذلك الاجتماع، ان الأسلحة يجب أن تبقى مُقادة من البشر، وتحت إشرافهم ومسؤوليتهم، وهو يدعو إلى استباق انفلات الأمر من يدهم بوقف التجارب على هذه الأسلحة المبيدة «قبل أن يتأخر الوقت» وتصبح واقع حال قد يتجاوز أصلاً إرادة صانعيها. وهذا أيضاً واحد من السيناريوات التي تناولتها هوليوود في أفلام الخيال العلمي بوصفها كابوساً سيقضي على البشرية... بينما يوافق عالم آخر يواجهه في إطار المناظرة المبرمجة في ذلك الاجتماع، رونالد أركن (يتعاون مع البنتاغون في البحوث التي يجريها)، على إقرار فترة تعليق فحسب لدرس القوانين الناظمة لعمل هذه الأسلحة، وتفحص الحاجة لمجموعة جديدة منها، في ما لو كانت تلك المتضمنة في «الاتفاق حول بعض الأسلحة الكلاسيكية» لا تكفي لتغطية الحقل الجديد. النقاش يدور إذاً حول «المعايير الأخلاقية» التي يجب أو يمكن تطبيقها على أسلحة المستقبل وحروبه. وهذا يثير سؤالاً أصلياً حول حتمية الحرب التي لا يبدو أن الفلسفة السائدة اليوم هي بصدده. وطالما المطلوب أن يكون المرء «واقعياً»، فهل حقاً يمكن الاكتراث بسؤال تعيين المسؤولية في القتل والإبادة أثناء الحروب، والتفنن في رسم المعايير والأصول التابعة لها، بينما تشهد الممارسة على اتساع الاستخدام العشوائي لأسلحة محرّمة، كما في الحربين على العراق، وكما جرى ويجري من قبل إسرائيل في هجماتها على المناطق الفلسطينية، وكذلك في الكوارث التي لا تتوقف والتي ترتكبها تلك الطائرات بلا طيار في أفغانستان واليمن خصوصاً، حتى وإن كان هناك إنسان «يقودها» من أمام شاشة كومبيوتر على بعد آلاف الأميال عن محيط تحليقها ثم شنها هجماتها القاتلة. فهل لذلك النقاش حول المسؤولية عن أفعال «تيرميناتور» وظيفة أخرى غير حفظ الشكليات وتوفير بنود للمحاجّات القانونية، في ما لو وقع مثل هذه المحاجّات، وهي لم تقع حتى الآن على رغم كل تلك الارتكابات التي يمكن الرجوع في توصيف وقوعها إلى الإنسان الذي أصدر الأمر وتحكم بالقتل. كفى هراء! وللمصادفة، هذه النقاشات المستعرة حول أسلحة يقدَّر أنــها لن تُبصر النور في هيئتها المتخيّلة تلك قبل بضعـــة عقود (أي قبيل منتصف هذا القرن)، تلازمت مع صدور الكتاب التوثيقي الضخم «الحروب القذرة - العالم كحقل قتال» (2013) لصحافي التحقيقات مراسل «ذي نايشن»، الأميركي جيريمي سكاهيل، وتــرجمته إلى لغات (مترافقاً مع فيلم وثائــقي أخرجه ريك روليه في الوقت نفسه). سكاهــيل سبق لـــه إصدار كتاب عن «بلاك ووتر، صعود جيـــش المـــرتزقة الأكبر» الذي نال جوائز عالمية. ولكن أهي حقـــاً مصادفة؟ فقد حفّز تلك النقاشات حول أسلحة المستقبل، تقرير لمفوض الأمم المتحدة لـ «التصفيات خارج الأطر القانونية»، قُدِّم العام الفائت إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية، بعدما فرض الموضـــوع نفـــسه بسبب توسيع الرئيس باراك أوباما نطـــاق استخدام الطائرات بلا طيار، بحجة أنها بديـــل عـــن الوجود العسكري الأميركي المباشر، واقتصاد له، وبحجة ضرورات مجابهة اتســـاع الإرهاب وعملياته. وقد تبنى أوباما بلا تردد خطة وتدابير... دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع السابق (الجمهوري والمحافظ الجديد و «الصقوري»، الذي يفترض أنه ينتمي إلى خصوم أوباما السياسيين)، التي تقوم على الاعتماد على «القيادة المشتركة للعمليات الخاصة (JSOC)»، بل على دعم يلقاه منه كبار ضباطها (على رأسهم الأميرال ويليام ماكرافن) الذين قـــادوا هذه القوات الخاصة... أيام بوش. وهي تتـــولى حالياً التدخل في أكثر من مئة بلد في العالم، وتنتهج عقيدة «العالم كحقل قتال» (المعتمد كعنوان فرعي لكتاب سكاهيل)، التي بلورها منظّرو الحرب على الإرهاب ومهندسوها، وأبرزهم ستيفان كمبون. هكذا، لا يبدو أن هاجس ذلك الصخب الرسمي يرتبط بالقلق الذي يُفترض أن يطغى حيال الحروب ومآسيها، والتقدم باتجاه تحريمها، بل هي تقنينات على القاعدة. تماماً كما يبدو أن الاتجاه لإثارة النقاش حول الموضوع داخل إطار الأمم المتحدة، والذي جاء بمبادرة فرنسية (وليس استجابة لحملات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان)، قد حفّزه التنافس التجاري. إذ ترى وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الصناعات الحربية الفرنسية أن الولايات المتحدة وإسرائيل حققتا أصلاً سبقاً في مجال الطائرات بلا طيار وسائر الأسلحة المؤتمَتَة، فلا ينبغي ترك الحقل الجديد حراً طليقاً، بل ضبطه لتأمين حصة كل جهة تمتلك شروط الطموح إلى ذلك.