في طرابلس الغرب، على شاطئها الحاني، اختار المغني الليبي أحمد فكرون أن يعيش ويزاول حلماً راوده عندما كان صبياً. إن لم تعرفه مسبقاً تخاله ممعناً في العزلة والتوحد، وهو إلى حد ما على شيء من هذا، لا يفعل إلا ما يعزز عزلته، صمتاً، تأملاً وإصغاء للموسيقى، لأنه تمادى في حبها. قدّم الجديد دائماً ولم يركن إلى المألوف والمتداول، ولم يستسهل الأمر بل ذهب بعيداً في حلمه، متسلحاً بتراث الأجداد ومنابع الفن الجميل. حمل في قلبه ليبيا ليقدمها في صورة جميلة عبر نافذة الفن. سمته قناة «بي بي سي» البريطانية الأسطورة الليبية. ولد في مدينة بنغازي وأمضى فترة طويلة في المملكة المتحدة وفرنسا خلال سبعينات القرن العشرين وثمانيناته. سجل هناك العديد من الأغاني الفردية والألبومات التي حققت نجاحات. منذ ظهوره بدا أن أحمد فكرون جاء لترك بصمته في الأوساط الموسيقية العالمية، حين عرض في منتصف الثمانينات ألبوماً جمع بين الآلات الشرقية التقليدية والموسيقى الإلكترونية والإيقاعات الراقصة. «الحياة» التقت أحمد فكرون وكان معه هذا الحوار. > كيف ومتى بدأت علاقتك بالموسيقى؟ - في مرحلة الطفولة، عندما كنت أذهب برفقة والدتي كل صباح إلى المدرسة التي تُدرِّس فيها، أتذكر زميلة لها كانت تملك صندوقاً فضياً صغيراً، عندما تفتحه تصدر منه أصوات موسيقية ساحرة. وفي ممر المدرسة، كان هناك بيانو أعزف عليه خلسة كلما سنحت لي الفرصة. كانت تلك الأصوات الموسيقية تثير في خيالي الدهشة وتملأني بالفرح والسرور، وكذلك الأغاني وبرامج الأطفال التي كنت أستمع إليها عبر الإذاعة، وآلات الإيقاع مثل الدربوكة والدفوف التي اكتشفتها خلال المناسبات الاجتماعية العائلية وفي فترة التحاقي بالكشافة ومناسبات المولد النبوي الشريف حين كنا نلتف حول الجدة ومسرح خيال الظل «كركوز بزامة» الذي حضرت آخر عرض له وأعتبر نفسي محظوظاً بهذه الذكرى. تعلمت العزف بمفردي على آلة الهارمونيكا، وبعدها آلة الغيتار التي أحببتها كثيراً، ولازالت رائحة خشبها عابقة في ذاكرتي، إلى جانب الأشرطة والأسطوانات الفنية لدى العائلة والأصدقاء والأفلام السينمائية، ونوافذ الثقافات الأخرى التي كانت تطل علينا بالموسيقى العربية والعالمية. > لمرحلة السبعينات الأثر الكبير في مسيرتك الفنية. ما الذي تمثله تلك الفترة لك؟ - أسست أول فرقة موسيقية في بنغازي مع مجموعة من الأصدقاء، وقدمنا عروضنا الفنية من خلال النوادي الاجتماعية والفنادق العامة والمسارح وكذلك النشاطات الفنية بقسم النشاط الموسيقي في الجامعة حيث تعلمت العزف على أكثر من آلة عندما كان الدكتورعبد الله السباعي مديراً للقسم. > كان لك تعاون مع الممثل والمذيع تومي فانس، توِّج بتسجيل بعض أعمالك في مرحلة مبكرة من مسيرتك الفنية. ما الفائدة التي جنيتها من ذلك التعاون؟ - سافرت إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنكليزية، وخلال إقامتي تعرفت على موسيقيين وكونت فرقة موسيقية، وقمنا بنشاطات في نوادي الشباب والحفلات الطالبية. وفى إحدى حفلاتي تعرفت على شخصية فنية معروفة بثقافتها الموسيقية وممثل مسرحي ومقدم برامج فنية بإذاعة «BBC» وغيرها، يدعى تومي فانس، الذي قدّر موهبتي وأعطاني الفرصة لتسجيل أعمالي الغنائية. ولدى سماعه أغنيتي «أوعدني ونجوم الليل» نشأت بيننا صداقة جميلة كان لها أثر إنساني في حياتي، وكان يشجعني باستمرار، وعرض علي تسجيل أعمالي، وعندما انتهيت من تسجيلها قال لي الآن يمكنك البحث عن شركات لتتولى توزيعها. عندما عدت في زيارة إلى ليبيا قدمني المذيع والممثل علي أحمد سالم والمذيع أحمد أنور في أحد برامجهما الإذاعية للجمهور وحققت بالأغنيتين أول نجاحاتي الفنية في بلادي، ثم سافرت إلى إيطاليا حيت تعاونت مع شركة ريكوردي الإيطالية، وأنتجت لي اسطوانة عام 1977 كانت أول اسطوانة عربية تنتجها شركة عالمية، ومن ثم أسطوانة ثُانية بعنوان «نسيان - لا يا حب» نفذتها مع نيكولا فانجيليز المدير الفني في شركة «فونوغرام». وازدادت نجاحاتي عبر وسائل الإعلام الأوروبية ومنها «القناة الخامسة» الإيطالية وقناة «مونت كارلو» التلفزيونية في موناكو وإذاعة «راديو مونت كارلو» في باريس. > اختيرت اسطوانة «أوعدني» (1977) أول اسطوانة على مستوى أوروبا وجنوب أميركا ضمن مهرجان «الميدم» الموسيقي في مدينة كان الفرنسية. ماذا استفدت من هذا النجاح؟ - سجلت اسطوانتي الثانية «نسيان» التي أنتجتها شركتا «بولي دور» الفرنسية و»كولومبيا» الفنزويلية، ووزعت في أوروبا وأميركا الجنوبية. ثم أنتجت البوماً آخر من كلمات فرج المذبل (1979) سجلته في إيطاليا، بعدها نفذت عملاً من كلمات صالح عباس، وهي أغنية بعنوان «شباكك» التي شاركني في تنفيذها صديقي مارك هاريس، وهو من أهم العازفين على الكيببورد، ولقي هذا العمل نجاحاً كبيراً في ليبيا. بعدها قمت برحلات مكوكية للبحث عن شركات إنتاج عالمية، فاتجهت إلى لندن وهناك نفذت عام 1982 عملاً بعنوان «شوارع المدينة» من كلمات نبيل الجهمي مع فرقة «أيند» التي كانت لي معها تجربة فنية جميلة بمشاركة «استوديو لودج» وإيدن أستوديو». ولدى عودتي إلى باريس ولقائي مع مدير مسرح الباندوش جاك رينو- فبريس كوات، أبرم معي عقداً يتحمل بموجبه مصاريف الإنتاج، فقدمت هناك اسطوانة «»ليل السهرانين». وشارك الممثل الكوميدي الراحل كولوش معي في الفيديو كليب. > قدمت العديد من الحفلات الموسيقية في أوروبا، فهل كانت اللغة العربية التي غنيت بها حاجزاً؟ - على العكس تماماً، عامل اللغة لم يكن حاجزاً أبداً، لأن الموسيقى هي اللغة التي يتعامل بها الفنان هي لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، إضافة الى الصدق والإخلاص في المشاعر مع حب القطعة أو الأغنية التي يؤديها. > ما قصة أغنية «عالمغربية»؟ - كان هناك تعاون وشيك بيني وبين الملحنين محمد الموجي وكمال الطويل حين عرضا علي غناء عملين من تلحينهما بعنوان «عالمغربية» و»سكون في المدينة» كان من المفترض أن يؤديهما الفنان عبدالحليم حافظ قبل وفاته، وقد لاقى العملان استحساني ولكن للأسف الشديد لم يكتب لهما الظهور. > ما جديد أحمد فكرون؟ - العمل الإبداعي متواصل بطبيعته، والتقنية الحديثة ساعدتني على الاستمرار والعطاء والبحث عن الجديد... أخذت كل الفنون منعطفاً جديداً بتنوع الألوان والطرق الفنية المتطورة التي مكنت المبدع من الدخول إلى عوالم أخرى ابتداءً بجهاز الكومبيوتر الذي دخل كل مجالات حياتنا بما فيها الإبداع الفني، ومع مجيء الإنترنت سهل التواصل مع الآخرين. لقد قمت بتجربة مع موسيقي يدعى بول ميرفي في لندن وأنا في طرابلس، فقدمنا قطعة موسيقية عبر الإنترنت بعنوان «التنين»، وقد سجلت على أسطوانة 33 ووزعت في لندن وعبر المواقع الفنية عبر الإنترنت. عادةً أفضّل العمل مع الموسيقيين داخل الأستوديو، ولكن التجربة عن بعد كانت ناجحة، ما تمثل تجربة جديدة في عالم الموسيقى. ويمكنكم زيارة موقعي الإلكتروني للحصول على النسخة الأصلية: www.ahmedfakroun.com. طرابلس الغرب