مواقع التواصل الاجتماعي لها مميزاتها وعيوبها، وأنا لست من الناشطين في هذا المجال فالتويتر والانستجرام وغيرها لا تهمني كثيرا، ولكن لي أصدقاء يدمنون هذه المواقع. ومؤخرا وبعد غياب طويل نسبيا من الفيس بوك، استوقفتني محادثات غاضبة بين صديقتين لم أرهما من زمن، تعيش كل منهما في طرف قصي من الكرة الأرضية فرغم أن الاثنتين من أصول أوروبية متقاربة جغرافيا إلا أن واحدة تعيش الآن في استراليا والأخرى في دبي. وقبل أن أشرح سبب الشجار فيجب أن أوضح أن الصديقتين لهما حساب في موقع التواصل الاجتماعي المسمى بينتيريست وهو يركز على الصور التي يختارها الأعضاء في صفحتهم وأحيانا تتبع هذه الصور ثيم معين فمثلا محبو التصوير يركزون على الصور ذات التقنيات العالية والمميزة ومحبو الطبخ يرفقون صورا من إنتاجهم وهناك من هو معجب بصور أطفاله فيشارك غيره فيها وهكذا ويمكن للشخص أن يسجل إعجابه بصور معينة لعضو آخر في الموقع وهكذا. وسبب الشجار أن الصديقتين قد اشتركتا في مجموعة تسمى «بي ات فورورد» والمجموعة اتخذت اسمها من فيلم أمريكي يدعو لنفس فلسفة المجموعة وهي أن يفعل الشخص فعلا حسنا لآخر ويفضل أن يكون شخصا لا يعرفه، وذلك بهدف فعل الخير دون مقابل. والفيلم يروج لفكرة الخير بحيث أن الشخص الذي يتلقى أي عمل خيري من شخص آخر، يتوجب عليه رد الجميل للبشرية بفعل خير آخر لشخص آخر وليس بالضرورة لنفس الشخص. أي أن هدف هذه المجموعة هو الترويج لفعل الخير. بدأ الموضوع بأن نشرت إحدى الصديقتين على الفيس بوك أنها قد وضعت في البينتيريست في مجموعة البي ات فورورد ، صورا لهدايا تتمنى أن تتلقاها من أصدقائها في مناسبة معينة. وأتت المناسبة وذهبت، وإذا بالأصدقاء يطنشونها ولم تتلق هدية واحدة من القائمة الجميلة التي تعبت في إعدادها وتجهيزها. فإذا بها تذهب لصفحتها في الفيس بوك وتكتب رسالة غاضبة إلى كل الأصدقاء الذين أرسلت لهم هدايا في عام 2013 ، ومنها هدايا أعياد ميلاد وهدايا زواج وخطوبة وكريسماس وايستر وهدايا تخرج وهدايا لبيتهم الجديد وهدايا لمواليد وغيرها وغيرها ، وتقول بأنها دوما تشتري الهدايا للآخرين في حلها وترحالها ودائما ترسل بطاقات المعايدة إلى هواي وبانجالور وتكساس ولندن ودبي وسيدني وسنغافورة والدنمارك وغيرها ولم تنتظر يوما أي مقابل، ولكنها تألمت جدا وجرح شعورها حينما رأت أن مناسبتها أتت وذهبت ولم يذكرها أحد بهدية واحدة من الهدايا التي اقترحتها لهم. ردت على ذلك الصديقة الأخرى من طرف العالم البعيد قائلة بأن من يفعل شيئا يجب ألا ينتظر له مقابل وأن كل الهدايا التي أتعبت نفسها في شرائها قد أصبحت عديمة الفائده لتمننها على أصدقائها بها. وبدأت بذلك حرب شعواء استمرت لأسابيع بين الصديقتين تخللتها تدخلات إما سلمية مد فيها بعضهم غصن الزيتون في محاولات للإصلاح بين الصديقتين، وإما حربية ماكرة لإشعال النار وسكب البنزين ثم المغادرة بكل هدوء! وانتهى المشهد بطرد كل منهما للأخرى من صفحتها وطرد كل من يتفق معها من أصدقاء باعتبار أن صديق عدوي هو عدوي. وأصرت كل منهما على موقفها، فواحدة تدعي بأنه عيب جدا أن تتذكر هي أصدقاءها في كل مناسبة ولا تقصر معهم وتشتري لهم كل ماهو جميل وثمين وحين تأتي لها مناسبة فالجميع يطنش ولا يذكرها أحد، والأخرى تقول إن من يهدي شيئا أو يفعل شيئا حسنا لا يجب أن ينتظر المقابل وخاصة في الموقع الذي يفترض أن يكون للخير وإسعاد الآخرين فهو مخلوق للمشاركه مع الأصدقاء بشيء جميل ممتع ككتاب أعجبك فتعطيه لصديقك أو صورة قديمة لصديقك تفاجئه بها ويجب ألا يستخدم الموقع للأغراض الشخصية والمادية، ولكل منهما فلسفة مقبولة الحقيقة.. ورغم أنني صديقة لكليهما، إلا أنني آثرت الصمت، ورغم ذلك فقد اكتشفت مؤخرا بأن صمتي وعدم ردي لسؤال كل منهما عن رأيي في الموضوع قد أدى لطردي أنا الأخرى من صفحتيهما، فكل منهما شكت في نواياي وولائي لصداقتها. كان القدماء يقولون الصمت من ذهب، ولكن الظاهر أن في هذا الزمن كل شيء قد تغير، حتى الذهب.