النسخة: الورقية - دولي تحركت الدول الغربية فور انطلاق «الربيع العربي» لضمان مصالحها. صدّق بعضنا أنها ستساعدنا في التخلص من الديكتاتوريات وإرساء الديموقراطية. لم نتعظ مما حلّ بالعراق من تدمير للدولة والمجتمع وتفتيته إلى طوائف وعشائر متصارعة على تقاسم الحكم. بقوة تخلفنا، وجبروت الآلة الحربية والإعلامية الغربية اتجهنا إلى التدمير الذاتي، نفسياً وفيزيائياً. وما زلنا نعتمد على من دمرنا لإنقاذنا من أنفسنا. صقور الحزب الإشتراكي الفرنسي الحاكم يزايدون على الولايات المتحدة. يتهمون الإدارة الأميركية بالضعف والتردد. أحياناً تتضارب مصالح الدول الإستعمارية. السباق على الأسواق ومصادر الطاقة كان سبب حروبها الكثيرة المدمرة. هذا ما حصل في الحربين العالميتين اللتين راح ضحيتهما ملايين البشر ودمرت خلالهما بلدان وأخضعت شعوب لتحضيرها (من حضارة) وتمدينها، على ما روّجت الدعاوة الإستعمارية وما زالت تروّج. قبل الحرب على العراق تضاربت المصالح الأميركية - الفرنسية. كانت واشنطن ترى في تهديم العراق وإعادته إلى العصر الحجري، على ما أشاع الإعلام الحربي آنذاك، مصلحة كبرى لها ولإسرائيل، فيما كانت باريس ضد الحرب، ليس خوفاً على بغداد والعراقيين، بل حرصاً على نظام تعهد لها تسديد ديونها وإعطاءها الأولوية في الإستثمارات النفطية وغير النفطية، فوقف جاك شيراك وحكمه اليميني في وجه إدارة جورج بوش التي ضربت عرض الحائط كل الإعتراضات الدولية وشنّت الحرب بالتعاون مع «الراغبين»، وفي مقدمهم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي ساعدها في تلفيق الأكاذيب عن أسلحة الدمار الشامل. وكلنا يذكر أن الإرادة الحربية انتصرت. ولم يمض وقت طويل حتى التحقت فرنسا بأميركا. وكانت مصالحة شيراك وبوش الإبن بدء التخطيط للهجوم على سورية التي تعتبرها باريس، إلى جانب لبنان، جزءاً من تاريخها الإستعماري وتتمسك بالولاية عليها. وسط صراع الإرادات الدولية لم يكن أحد يحسب حساب العرب، وإذا كان هناك من حساب فهم تابعون لهذا المحور أو ذاك. تماماً مثلما يحصل الآن بالنسبة إلى سورية. ومثلما تراجعت فرنسا في عهد الحكومة اليمينية، أيام شيراك، أمام الآلة العسكرية الأميركية ورضخت لواشنطن في ما بعد، ها هي في عهد الحكومة الإشتراكية تكرر التجربة ذاتها. كانت إدارة هولاند رأس الحربة في الهجوم على سورية. جنّدت كل طاقتها الديبلوماسية وعلاقاتها، مع العرب وغير العرب لشن حرب على دمشق شبيهة بالحرب على ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي. وكان التنسيق بين باريس وواشنطن في أعلى مراحله. وتوقع الجميع وقوع الحرب بين لحظة وأخرى، بعدما جُنّد من جُنّد من السوريين وغير السوريين وأُرسلوا إلى الداخل عبر الأراضي التركية، العدو التاريخي لدمشق وللعرب. لكن الولايات المتحدة تراجعت في اللحظة الأخيرة لحسابات مختلفة، فهي لا تريد خوض حرب أخرى بعد ما خسرته في أفغانستان والعراق. خاب أمل باريس فزادت حدة خطابها ضد النظام السوري وزاد تنسيقها مع المسلحين، بمن فيهم مسلحو «داعش» والنصرة»، من أجل مزيد من التخريب على أمل بتعديل ميزان القوى على الأرض، على ما تعلن وحلفاؤها. الآن تعود باريس إلى سيرتها الأولى. يأخذ وزير خارجيتها لوران فابيوس على إدارة أوباما تراجعها عن ضرب سورية. ويأسف لأن الضربة كانت «ستغيّر الأمور على مستويات عدة». ويؤكد أن «لا يمكن لأحد إعطاء دروس لفرنسا». وكان تصريحه رداً على انتقاد أميركي لبيع إدارته بارجتين الى روسيا، فيما أميركا تفرض عقوبات على موسكو، بعدما ضمّت القرم إليها، وبسب دورها في إثارة حرب أهلية في اوكرانيا، على ما تعلن. لا شيء يبرر تشدد إدارة هولاند حيال سورية وانتقادها «ضعف أوباما»، واستخفافها بما يدور في أوكرانيا، سوى صفقة البارجتين، وطموحها إلى الحصول على حصة الأسد عندما يحين وقت إعادة إعمار سورية، فضلاً عن الحصة من الغاز والنفط في البحر السوري. هذا هو السلوك الكلاسيكي لكل الدول الإستعمارية، قديماً وحديثاً. سلوك ديموقراطي في الداخل فاشي في الخارج. ولا شك في أن سكان الشرق الأوسط، والعالم الثالث، لا تهمهم ديموقراطية الفرنسيين أو الأميركيين أو البريطانيين. ما يهمهم أنهم خاضعون لأشد أنواع الفاشيات عنفاً.