وزارة الزراعة والمياه حذرت مخالطي وملاك الإبل من مخاطر فيروس «كورونا» مستندة إلى تأكيدات وزارة الصحة بأن الدراسات العلمية أكدت وجود الفيروس في الجهاز التنفسي للجمال، لكن أطباء بيطريين وباحثين يقولون إن اكتشاف أجسام مضادة في الإبل لا يمكن اعتباره دليلاً قاطعاً على أن الإبل هي مصدر الفيروس خاصة أن الإصابات بين الرعاة والجزارين الذين يتعاملون يومياً مع الإبل لا تكاد تذكر.. الشيء المؤكد الذي يتفق عليه الجميع هو ضرورة عدم تناول لحوم وألبان الإبل إلا بعد غليها. ويبقى السؤال: هل الإبل بريئة أم مدانة في موضوع كورونا، وإلى أي مدى تبقى محل جدل نحاول سبر أغواره في هذا التحقيق؟ في البدء.. يقول الدكتور أحمد محمد اللويمي رئيس مجلس إدارة الجمعية الطبية البيطرية السعودية وعضو هيئة التدريس بقسم الأحياء الدقيقة والطفيليات بكلية الطب البيطري والثروة الحيوانية بجامعة الملك فيصل: إن الاستناد إلى وجود أجسام مضادة في الإبل، أو وجود تشابه في المادة الوراثية للفيروس المعزول من الإنسان، والفيروس المعزول من الإبل، لا يمكن أن نعتبره دليلاً قطعياً على أن المرض مصدره الإبل، هذا من جهة. من جهة أخرى، حالات الإصابة بهذا الفيروس والتي ظهرت مؤخراً في الرياض وجدة، غالبيتها أتت من أشخاص أصيبوا بالاحتكاك مع أشخاص مصابين، الأمر الذي يؤكد عدم قطعية ارتباط هذا الفيروس بالإبل، ولو افترضنا جزافاً ارتباطه بالإبل، فحينها يصبح هذا المرض مهنياً، أي مرتبطا بمن هم على صلة دائمة بالإبل، ولرأينا هذا المرض متفشياً في الجزارين والعاملين في المسالخ، وأيضاً في الرعاة، ولأصبح من البديهي أن ينتشر هذا المرض في هذه الطبقة من البشر تحديداً. لماذا الاتهام؟ ولعل القارئ هنا يسأل: لماذا سهم الاتهام اتجه مباشرة صوب الإبل دون غيرها من الكائنات؟ وأجيب هنا مذكراً بالتجربة التي مررنا بها سابقاً مع بداية ظهور مرض الكورونا، وتحديداً في عام 2003م، حيث أجريت وقتها بعض الدراسات التي ثبت من خلالها وجود أجسام مضادة لفيروس الكورونا في الإبل، وفي عام 2013م اكتشف أن نفس الفيروس الموجود في الإبل، حصل لديه نوع من التحور، لكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن هذا الفيروس الذي أصاب عدداً من البشر، انتشر بفعل تطوره في الإبل، إذ لم نصل بعد إلى الدليل العلمي على حدوث هذا الأمر، علماً أن مركز الأوبئة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الصحة الحيوانية لا تؤكد صحة هذه القرائن في انتقال المرض من الإبل. وعن سرعة انتشار هذا الفيروس، وكثرة الحالات المصابة به بين وقت وآخر، يقول اللويمي: هذا عائد بالدرجة الأولى، لعدم معرفتنا بمصدر هذا الفيروس، وهذا علم قائم بذاته يسمى بـ (علم البصمة)، بمعنى أنه يمكنك أن تستخرج بصمة الفيروس وتطابقه مع بصمات الفيروسات المشابهة، ومن ثم تستطيع أن تعرف تاريخ هذا الفيروس، والأدلة الموجودة الآن أن فيروس الكورونا ينتشر في الخفافيش، ولكن كيف تطور هذا الفيروس بحيث وصل إلى الإنسان؟ والملاحظ أن هذا الفيروس ينتقل بشكل فعال في الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي، ممن يعانون من مشاكل في السكر، وضغط الدم، وأمراض القلب.. وغيرها من أمراض العصر، حيث تكون حساسيتهم عالية تجاه التأثر بهذا الفيروس من الأشخاص الذين يتمتعون بجهاز مناعي أفضل. الفيروسات تتحور أما الأستاذ الدكتور ناصر بن علي الوابل باحث متخصص في علم الأدوية والعقاقير الطبية، فيتطرق من جهته للأدلة العلمية التي استند إليها في الربط ما بين الإبل وفيروس كورونا، قائلاً: علينا أن نعرف أولاً، أن كورونا تدل على عائلة من عائلات الفيروسات، ينضم تحتها العديد من الفيروسات المسببة لأمراض عدة، سواء في الحيوان أو الإنسان، منها مرض (السارس) وحمى الخنازير وغيرها. وكورونا لفظة لاتينية تعني (التاج)، وهذه العائلة الفيروسية تتميز بأشكال تشبه التاج. الإشكالية أن مصدر هذا الفيروس غير معلوم إلى الآن، وما يزيد الأمر تعقيداً، أن الفيروسات دائماً تحدث فيها إعادة تصنيع الحامض النووي داخل الخلية، فيتحول الفيروس إلى شكل آخر لا يمكن مقاومته، لأن الجهاز المناعي في جسم الإنسان لا يتعرف عليه بسهولة، وبالتالي يخترق المناعة الداخلية لجسم الإنسان. وإن كان مصدر هذا الفيروس غير معلوم، فإن طريقة انتقاله أضحت معروفة، إذ إن من المعروف أن الفيروسات لا يمكن أن تعيش خارج الخلية الحية، وهي تحتاج إلى سوائل من الجسم، وإلى خلايا معينة، وإلى وسيط ناقل مثل الحشرات. وتركز هذا الفيروس في المنطقة الغربية تحديداً، مع أننا نشهد تزايداً في عدد الإبل في منطقة القصيم والمنطقة الوسطى، يؤكد عدم ارتباط هذا الفيروس بالإبل، وإذا ما أردنا أن نقطع الشك باليقين، في مدى ارتباط هذا الفيروس بالإبل، ومن ثم انتقاله إلى الإنسان، علينا أن نأخذ بالخريطة الوراثية للفيروس من الإنسان، ونقارنها بالخريطة الوراثية في عائلة الكورونا بالحيوان، فهذا هو الدليل القاطع، وهذا يحتاج إلى مزيد من الأبحاث. مرض جديد من جهته، يتطرق الدكتور محمد الزهيري أستاذ مشارك في كلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة القصيم، لأسباب عدم إجراء البحوث اللازمة للكشف عن سبب تواجد هذا الفيروس، من قبل مختبراتنا ومراكزنا العلمية، معللاً ذلك بقوله: قد يظن البعض أن سبب ذلك يعود لقلة تأهيل الأيدي العاملة، أو لعدم توافر الإمكانات اللازمة بهذه المختبرات والمراكز العلمية، وللحقيقة أقول إن لدينا أيدي عاملة مدربة على قدر كبير من الكفاءة العلمية، ومختبرات معملية طبية مجهزة على أحدث طراز، من شأنها أن تجري أدق الأبحاث العلمية، ولكن الإشكالية تكمن في أن هذا المرض حديث عهد، فأولى حالات الكورونا ظهرت في أواخر عام 2012م، ولم تكن تشكل قلقاً أو مشكلة كبيرة حتى تطور الأمر هذا العام، وإيجاد علاج لمرض جديد مهما كانت نوعية المعمل أو المختبر الطبي، فلن يتم الحصول عليه سريعاً، بل يحتاج إلى وقت طويل، حتى يتم التأكد من سلامة استخدامه، وعدم تسببه في إحداث مشكلات، أو مضاعفات مستقبلاً، ولعل هذا العارض المرضي الذي داهمنا فجأة، يكون سبباً في إيجاد برنامج وطني لبناء خريطة وبائية تسهم بشكل كبير في رصد وتحديد الأمراض المستوطنة، ومن ثم وضع الخطط الطويلة الأجل لاستئصالها. أما سليمان الجابري رئيس لجنة تجار المواشي بالغرفة التجارية بجدة، فيقول: إن الاشتراطات الصحية والبيطرية التي تفرضها وزارة الزراعة على المواشي المستوردة، تؤكد عدم اشتباهها بوجود أية أمراض في هذه المواشي، أو أن تكون ناقلة لمرض «كورونا»، وهذا ما ثبت بالفعل للجنة تجار المواشي بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، علماً أنه يتم حجر المواشي المستوردة في المحاجر البيطرية في الدول المصدرة، وخلال هذه المدة يتم تطعيم هذه المواشي ضد الأمراض المحتملة، والتأكد من سلامتها تماماً، ليتم بعد ذلك شحنها إلى موانئنا، ولزيادة التأكد من سلامتها، تتم إعادة فحصها من قبل الإخصائي البيطري على متن الباخرة وقبل وصولها لموانئنا، ولا يتم فسحها إلا بعد التأكد من سلامتها تماماً، وخلوها من أي مرض، كما يتم استيراد كميات كبيرة من المواشي الحية سنوياً، خاصة في المواسم مثل الحج ورمضان، ولم يثبت وجود أية أمراض فيها، فضلاً عن أنه لم يثبت علمياً حتى الآن، انتقال مرض «كورونا» من الإبل إلى الإنســان، يعزز ذلك أن المتعاملين مع الإبل سواء كانوا ملّاكاً أو رعاة أو عامــلين، لم يظهر بينهم هذا المرض، ولو كان ما أشيع حقــيقياً لكـــان هؤلاء النــاس هم أول المصابين بهذا المرض، أضف لذلك أن وزارة الزراعة تبذل جهوداً مستمرة لحماية الثروة الحيوانية وضمان سلامتها، وكذلك التجار والمستوردون يحرصون على سلامة المواشي المستوردة، وخلوها من أية أمراض، حرصاً على صحة المواطن. وحول تأثر أسواق الإبل بضجة كورونا يقول علي عبدالله الموسى أحد تجار المواشي: عدم تأثر سوق الإبل، جراء الشائعات التي تدور حول تسببها بنقل فيروس كورونا، موضحاً ذلك بقوله: نحمد الله تعالى أن قطاع المواشي الحية يخضع لرقابة صحية مشددة وصارمة قبل الشحن من بلد المنشأ، وعند وصولها إلى ميناء جدة الإسلامي يعاد فحصها مجدداً، وبذلك يصبح من الصعوبة بمكان، إيجاد علاقة بين الإبل وفيروس كورونا، إذ لا يسمح بدخول أي نوع من المواشي بها أمراض بيطرية أو فيروسات معدية، أو أي شيء يضر بالمستهلك ويسبب عدوى بشرية، علاوة على أن المستوردين والتجار يحرصون دوماً على سلامة المواشي المستوردة وتأكيد خلوها من الأمراض والفيروسات المعدية، في إطار حرص وزارة الزراعة على استيفاء جميع الشروط الصحية والفحوص البيطرية لكافة المواشي المستوردة بما فيها الإبل وإعطائها كافة التطعيمات والفحوصا المطلوبة.