لا تكثرت شريفة مبروك سالم للسخونة المنبعثة من التنور الذي تحضر فيه قرصان الخمير في السوق الشعبي في المخواة بمنطقة الباحة، فالمسنة تقتات من صناعة الخبز المعد من الذرة والدخن والحنطة منذ عشرات السنين، وباتت ماهرة فيه، متخذة من تلك الحرفة مصدر دخل تعول بها أبنائها، بدلا من انتظار العون من أحد. ويحظى ما تعده شريفة بإقبال كثيف من الأهالي والمتسوقين؛ نظرا لكونها تحضره أمامهم وفي الهواء الطلق، فضلا عن احترافيتها في الطهي التي تحتفظ بنكهة الآباء والأجداد، وهو ما تفتقده فتيات الوقت الحاضر. ويبدأ نشاط شريفة بتسخين التنور أو الميفا في إحدى زوايا السوق بتزويده بالحطب وإشعال النار فيها، حتى يتحول إلى جمر، ومن ثم تضع أقراص الذرة، وخلال دقائق وجيزة يكون جاهزا ومعدا للأكل، وباتت شريفة متمرسة في تحضير تلك الأقراص، إذ تضعها في الميفا بسرعة ودقة وبطريقة تضمن عدم تلفها أو سقوطها في التنور، ويعتمد ذلك على عملية العجن، والخلط بين الدقيق والماء الذي يضاف إليه قليل من الملح، وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله شريفة في تحضير الأقراص والأخطار المحدقة بها نتيجة تعرضها للحرارة والأدخنة المنبعثة منها، إلا أنها تبيعها بسعر زهيد، وهي ترضى بالقليل، حتى لا تخسر زبائنها الذين يفدون إليها من مناطق مختلفة، فعلى حد قولها «قليل دائم خير من كثير منقطع». وحرصت شريفة على تعليم بناتها وأبنائها المهنة، بعد أن وجدت عزوفا منهم عنها، وإقبالهم على التميز، فضلا عن توجههم إلى الأطعمة الحديثة والوجبات السريعة. بدورها، أشادت أم الوليد (إحدى زائرات السوق) بما تفعله شريفة وحرصها على المحافظة على الأطعمة التراثية، الغنية بالقيمة الغذائية، بدلا من الوجبات السريعة التي أفرزت السمنة وتداعياتها السلبية على المجتمع، واصفة عمل شريفة بالشاق؛ لأنها تجمع الحطب من الأودية وتضعه في التنور وتشعله، وتظل أمام الحرارة لساعات عدة، مطالبة بالاهتمام بشريفة واستغلال خبرتها في تعليم فتيات الجيل الحالي طرق تحضير الطعام الصحي الذي كان يعتمد عليه الآباء والأجداد.