×
محافظة المنطقة الشرقية

المثانة العصبية.. خطأ تشخيصها وعلاجها في الوقت المناسب قد يهدد حياة المريض!

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي بدد الحواران التلفزيونيان الأخيران للمرشحين الرئاسيين عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي، وهماً كبيراً راج في الشارع السياسي وأوساط النخبة الثقافية بعد 30 يونيو، وهو أن المكانة الاستثنائية التي منحتها الجماهير للأول لن تحول دون تأسيس نظام ديموقراطي مدني تعددي يسمح للقوى المدنية بأن تكون الطرف الفاعل في الحياة السياسية بعيداً من هيمنة الجيش. لذلك، فإن الرفض القاطع الذي أبداه السيسي في حواره التلفزيوني للتظاهرات والاحتجاجات ولأية رقابة مدنية من جانب البرلمان المنتخب على نشاطات القوات المسلحة، كان الوجه الآخر للأطروحة التي دشنها صباحي بأنه مرشح الثورة لكونه ناشطاً سياسياً مدنياً شارك لأربعة عقود في الحراك الشعبي والجماهيري، ما يجعله جديراً بالتعبير عن ثورة 25 يناير وموجتها الجديدة في 30 يونيو. ومن ثم، فإن الحوارين عكسا حالاً من الشقاق ما بين الدولة البيروقراطية ممثلة بالسيسي وبين الثورة الديموقراطية ممثلة بصباحي. إلا أن الأمر اللافت هنا أن هذا السجال ما بين مرشح الدولة ومرشح الثورة لن يفضي إلى حدوث تغير كبير في توجهات القطاع الأعرض من الرأي العام المصري الذي حسم المعركة الانتخابية لمصلحة السيسي قبل أن تبدأ محولاً إياها إلى استفتاء شعبي. وهنا تثور ملاحظة مهمة تتعلق بالكيفية التي يمكن من خلالها أن يعبر صندوق الانتخابات بعد ثورة ديموقراطية كثورة 25 يناير عن نموذج الاستفتاء المحسوم سلفاً بدلاً من أن يعبر عن نموذج ديموقراطي تنافسي مدني. فتلك الملاحظة تسلط الضوء على أحد أكثر الجوانب جدلية في الحالة الفاشية الشمولية، ألا وهو تقاطعها مع الحالة الديموقراطية بما سيفرغ كل الآليات الديموقراطية في مصر من مضمونها ويحيل عملية التحول الديموقراطي الفاشلة إلى كابوس مرعب، وذلك بعكس ما تتوهم النخبة العلمانية التي أيدت مجمل الممارسات الديكتاتورية التي جرت في البلد بعد 30 يونيو دفاعاً عن الدولة البيروقراطية وتأييداً لدورها في الحياة السياسية، وبعكس ما تعتقد أيضاً جماعة الإخوان التي تتنصل حتى الآن من الاعتراف بمسؤوليتها المباشرة عما حدث بعد 30 يونيو من تراجع للمسار الديموقراطي. فعلى ما أشار المفكر السياسي الإنكليزي أندرو هيود في كتابه «مدخل إلى الإيديولوجيات السياسية»، فإن أطروحة الفيلسوف الألماني نيتشه عن الإنسان السوبرمان التي حولتها الحركات الفاشية إلى نظرية للقيادة السياسية المطلقة والعليا، انطلاقاً من كون القائد المطلق هو المحدد لمصير الجماهير والمعبر عن إرادتها العامة، مثَّلت تقاطعاً معرفياً مع أطروحة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عن المصلحة العامة غير القابلة للتجزئة، فأصبحت بذلك الديموقراطية الحقة هي الديكتاتورية المطلقة، بفعل امتزاج مبدئي السلطة المطلقة والسيادة الشعبية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الحالة الفاشية الشمولية لا يمكن أن تعبر عن نفسها إلا عبر تمييع الفوارق بينها وبين الحالة الديموقراطية، وهو ما فعله في شكل منهجي المنظّر الألماني الشمولي النازي كارل شميت من خلال دمجه بين الجهاز البيروقراطي كمكون أساسي في النظم الليبرالية الحديثة، وبين نقد ما وصفه بضعف الشمولية الكمية. فالأحزاب وجماعات المصالح القوية تشكل من وجهة نظر شميت كيانات شمولية يسعى كل منها إلى تحقيق الشمولية بذاته. ولذلك يعتقد الباحث السياسي الفرنسي غيوم بلان في كتابه «الفلسفة السياسية» أن تلك الدولة التي اعتبرها شميت دولة شمولية كمية، وفقاً لحجم وسائلها التقنية والمساحات الاجتماعية التي تعمل في إطارها، ليست شمولية إلا عن ضعف بفعل عجزها عن احتواء سيطرة الأحزاب والقوى المنظمة في إطار الصيغة الديموقراطية الليبرالية التي لا تشكل الدولة بموجبها عامل السلطة والسيادة في النظام السياسي، وهو ما يحولها إلى فضاء هجرته السياسة، ومن ثم إلى عدة تقنية هائلة للسلطة المتروكة بين يدي الجماعات الاجتماعية المتحزبة والقوية. لذلك طور شميت نظريته باتجاه إعادة التسييس الفعلي للدولة من خلال بناء سلطة سيادية قوية داخل دولة شمولية كيفاً، وليس كماً، كحال النموذج «الشمولي الليبرالي»، وذلك عبر أدلجة جهاز الدولة وتثمين الديموقراطية الاستفتائية ومنح الرئيس القائد سلطة أعلى من سلطة البرلمان. ما يعني في النهاية أن الرطانة الديموقراطية التي تسربل خطابات الأطراف المتصارعة في انتخابات الرئاسة أو على خلفية صدام الإخوان مع الجيش هي مجرد لغو سياسي لا أكثر ولا أقل. فالصراع الذي دار بين الإخوان وخصومهم من القوى العلمانية والثورية خلال عام من حكم محمد مرسي، مثَّل شكلاً من أشكال الشمولية الكمية التي سعى الطرفان في إطارها إما إلى الهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة، كما فعل الإخوان، أو إلى استدعائها كأداة من أدوات الصراع على السلطة، كما فعل خصومهم من العلمانيين والثوريين. وهو الأمر الذي كانت نتيجته التحول من تلك الشمولية الكمية إلى شمولية كيفية تستلهم دور القائد المطلق وتهمّش دور البرلمان في الرقابة على بعض مؤسسات السلطة التنفيذية وتحيل الانتخابات الديموقراطية التنافسية إلى استفتاء مُقنَّع. ومن ثم، فإن هذا الصخب السياسي المصاحب لانتخابات الرئاسة وللصراع الكبير الدائر في مصر، لا يدلل إلا على الفشل الذريع في تكوين بديل ديموقراطي حقيقي للشمولية الكيفية التي غرق فيها البلد منذ العهد الناصري. * كاتب مصري