روافد _ تونس : بعد أن نجحت السلطات التونسية نسبيا في إخماد توهج الجماعات الاسلامية المتشددة عبر اعتقال أو قتل أبرز قياداتها في الأشهر الأخيرة نقلت المعركة الآن إلى ضفة أخرى عبر تضييق الخناق على هذه الجماعات في المساجد وهي من القلاع القليلة التي تبقت للسلفيين. وتسعى الحكومة الجديدة التي تسلمت السلطة قبل أكثر من ثلاثة أشهر إثر استقالة حكومة تقودها حركة النهضة الاسلامية إلى استرجاع سيطرة الدولة على المساجد التي ظل أغلبها لثلاث سنوات تحت سطوة إسلاميين متشددين. وخلال حكم الرئيس السابق العلماني زين العابدين بن علي واجه السلفيون قمعا وسجن أغلبهم ولكن بعد الثورة أصبح حضورهم لافتا بالاستفادة من مناخ الحرية وعينوا أئمة تابعين لهم في مئات المساجد. ثم تقلص هذا الحضور نتيجة للملاحقات الأمنية التي شنتها الحكومة على قيادات من جماعة أنصار الشريعة. ومع ذلك فإن السلفيين مازالوا يحكمون السيطرة على حوالي 150 مسجدا في البلاد. وبعد اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهما من قادة المعارضة العلمانية واجهت حركة النهضة الاسلامية احتجاجات واسعة وضغطا من المعارضة تخلت بعدها لحكومة مستقلة عن قيادة البلاد إلى انتخابات من المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي. وقال رئيس الوزراء مهدي جمعة إن حكومته بدأت تنفيذ خطط فعلية لاستعادة السيطرة على 150 مسجدا تحت سيطرة متشددين في مسعي لتحييد المساجد ووقف ما سماه مسؤول حكومي خطابات تحريض قبل الانتخابات. وتقول صحف محلية إن فتاوي قتل معارضين العام الماضي أصدرها أئمة مساجد. وتطالب المعارضة العلمانية بضرورة شن حرب شعواء لتحييد المساجد. وتتصدى قوات الأمن التونسية منذ أشهر لمتشددين من جماعة أنصار الشريعة المحظورة وهي من الجماعات المتشددة التي ظهرت بعد سقوط بن علي. ووجهت أصابع الاتهام إلى أنصار الشريعة في التحريض على اقتحام السفارة الأمريكية في تونس في 14 سبتمبر أيلول عام 2012 وأدرجتها واشنطن على قائمة التنظيمات الإرهابية التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي عملية نوعية تمكنت قوات الشرطة هذا العام من قتل كمال القضقاضي أحد أبرز قيادات أنصار الشريعة والمتهم باغتيال المعارض شكري بلعيد العام الماضي. وحققت قوات الأمن نجاحات لافتة لكن المتشددين لا يزالون يشكلون تحديا حقيقيا لحكومة جمعة التي تخشى أي هجمات جديدة قد تضرب صناعة السياحة التي تجذب ملايين الزائرين سنويا. وتتهم الشرطة تنظيم أنصار الشريعة -الذي يقوده سيف الله بن حسين المعروف باسم أبي عياض وهو مقاتل سابق في افغانستان- بقتل زعيمين للمعارضة العام الماضي. وتقول الحكومة إن المتشددين يستفيدون من الفوضى في ليبيا لإدخال السلاح إلى تونس. وضمن جهودها لاستعادة السيطرة على المساجد وتعيين أئمة تابعين لها كونت الحكومة لجنة تضم ممثلين عن وزارة الشؤون الدينية ووزارة الداخلية ووزارة العدل لعزل من تصفهم بأنهم متشددون. ولكن لا يبدو أن مهمة السلطات الجديدة ستكون يسيرة في خوض معركة المساجد. والشهر الماضي اندلعت في مدينة القيروان مواجهات عنيفة بين قوات الشرطة ومصلين غاضبين بسبب إمام مسجد عينته وزارة الشؤون الدينية بدل إمام آخر يريده المصلون. واعتقلت قوات الشرطة بعض المحتجين من السلفيين وقالت وزارة الداخلية إنها ستطبق القانون بحزم ضد مثل هذه التجاوزات. لكن ينتظر أن تتجدد مثل هذه المعارك في بعض المدن أو الأحياء التي تعتبر معاقل سلفية مثل القيروان وجندوبة أو حي التضامن بالعاصمة. ويقول رياض الصيدواي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف الدولة استفاقت وفهمت أن الارهاب ليس سلاحا فقط بل هو أساسا خطاب مصدره عدة مساجد تروج لفكرة الجهاد وتجاهل الدولة والحديث عن فكرة وحلم الخلافة. ويضيف الصيداوي لرويترز العملية ستكون معقدة وستكون ليا للذراع بين الدولة والمتشددين الذين يحاولون إثبات الذات لأن المساجد هي آخر المعاقل التي يروجون منها علنا لفكرهم. وتقول الحكومة إنها تسعى لإبعاد الأئمة السلفيين عبر سياسة الحوار أو بالقوة والقانون إذا رفضوا. واعتقلت الشرطة قبل شهرين أيضا خميس الماجري وهو داعية سلفي بعد أن رفض الامثتال لقرار الحكومة إلقاء خطب دون ترخيص. وأطلقت سراحه في وقت لاحق بعد تعهده بعدم تكرار ذلك. وهذا العام قررت الحكومة غلق المساجد بعد أوقات الصلاة لأول مرة منذ ثلاث سنوات سعيا لتشديد الخناق على الاسلاميين وهو ما جعلهم يتحدثون عن ان ممارسات الرئيس السابق بن علي تتكرر. وخلال حكم الرئيس العلماني السابق بن علي كان المصلون يخضعون للمراقبة في المساجد حيث يمنع عقد حتى الدروس الدينية. وكان ارتداء الحجاب ممنوعا في المؤسسات الادارية بينما تلاحق الشرطة الفتيات وتضربهن في الشوراع بسبب الحجاب. وقال كمال الفطناسي وهو مسؤول مكلف بالمساجد في وزارة الشؤون الدينية لرويترز إن السلطات تمكنت فعلا من استرجاع 30 مسجدا من مجموع 150 تسعى لاستعادتها. وقال نحن نريد تجنب سماع خطابات التحريض والدعوات للجهاد في سوريا مثلما فعلوا وتحييد المساجد لتهيئة أفضل الظروف قبل إجراء الانتخابات. ويتوقع الفطناسي أن تكون المهمة معقدة وصعبة وقد تستغرق شهورا لان من وصفهم بأصحاب الفكر المتشدد لن يقبلوا التفريط بسهولة في بث خطابهم وربما هم مستعدين لاي مواجهة. ولكن السلفيين أصبحوا يقولون إنهم يعيشون أوقاتا صعبة بسبب الملاحقات الأمنية والتضييق عليهم في المساجد وخارجها حتى بسبب لباسهم أو مظهرهم. وقال عبد الرحمان كمون وهو إمام جامع سلفي تريد السلطة استبداله بآخر لرويترز العلمانيون لا يريدون أن يسمعوا صوتا سوى صوتهم حتى في بيوت الله..هم لا يريدون التحييد..يريدون خطابا مائعا يعيدهم للسلطة. وأضاف ما نعيشه اليوم من ظلم واحتقار وإهانة حتى المساجد لم نره حتى تحت حكم بن علي..اليوم نرى فظاعات أكبر بعد الثورة. وقال كمون إن صبر الشباب السلفي نفد بعد أن وصل التضييق عليهم مستويات كبيرة وحذر من العجز عن السيطرة على شبان غاضبين بسبب إهانة بيوت الله.