وما زالت مصر تكشف عن المزيد من المستور، وقد دفعت الأحداث الأخيرة في "أم الدنيا" البعض إلى تقيؤ ما بدواخلهم من وباء، فعبروا ببلاغة عن استخدامهم للدين لتحقيق مكاسب دنيوية، موهمين العامة بأن أعمالهم خالصة لوجه الله. صفوت حجازي قدم حالة مهمة يجب ألا تمر عرضا على الدارسين والمحللين، فمثله كثير وكثير جدا ممن يتاجرون بالدين لتحقيق مآرب شخصية. العقلاء يسألون بحزن: كيف يستطيع شخص مثل صفوت حجازي أن يهيج عامة الناس بخطابه الديني وهو يحمل كل ذلك التناقض بين ما يرفع من شعارات التدين، وما يمارس من أعمال وسلوكيات منافية لما يعلنه من على المنابر الإعلامية؟ وهل يمكن للمتابع المدقق للخطاب (التويتري للإصلاح) أن يجد في محتواه أشباهاً لتناقضات صفوت حجازي؟ أزعم أن بعضا منهم يقضون الساعات يتعبدون الله بشتم هذا واغتياب ذاك، وهتك أعراض المخالفين لهم فكريا، ويأخذون الناس بالظن السيئ متكئين على تأويلات وتبريرات تشرعن لهم الضلال، وتحلل الحرام، لأنهم ببساطة " يظنون أن الله لم يهد سواهم" وبالتالي فكل ما يصدر عنهم هو الحق ومن يعارضه إنما يعارض صحيح الدين، فإذا اقترب وقت صلاة الفجر انقلبوا إلى مضاجعهم تاركين لهذا الركن المهم شخيرهم وأحلامهم الرمادية ليس بمجتمع متدين، متخلق بأخلاق الإسلام محافظ على عقيدته ومؤد لفرائضه، وحكم رشيد يقيم شعائر الدين، وإنما يحلمون بفوضى ودماء تسفك، تشفي ظمأ نفوسهم الشريرة، وتشبع نهمهم للفوضى انتقاما من المجتمع من حولهم. رموز فكرية، ذات خلفيات إسلامية، وليبرالية تجتمع على حب الإخوان ومناصرة ما أسموه بالشرعية في مصر، وباجتماع الأضداد غير المعتاد ولا المألوف نبحث عن قاسم مشترك بينهم، ولن يكون الدين بأية حال هو الرابط بين الفرقاء، وإنما المشترك تطلع واحد للسلطة وحقد بين على المجتمع، ولذلك تتفق أهدافهم مع اختلاف أهوائهم. لا أود أن أسمي، ولكن دعونا جميعا ننظر لمعطيات واقعية لما حولنا من بيئات سياسية، ونقارنها ببلادنا. المملكة هي البلد الوحيد في العالم الذي تقفل أسواقه ويتوقف كامل نشاطه التجاري للصلاة، والبلد الوحيد تقريبا الذي يخضع جميع ما يوقع عليه من معاهدات دولية لمعيار الشرع، ويتحفظ على أية بنود يرى تعارضها الثابت من النصوص الشرعية، والبلد الوحيد الذي يحرم بيع الخمور، ويجرم مروجيها ومتعاطيها، والبلد الوحيد الذي لا توجد فيه نواد ليلية ولا قمار ولا مراقص، والبلد الوحيد الذي يتشرف قادتها بالتنازل عن ألقاب الملك والسلطان ليكتفوا بخدمة الحرمين الشريفين واعتبارها الشرف الذي ليس بعده شرف. وهو البلد الوحيد تقريبا الذي يؤدي قادته الصلاة خمسة فروض في المساجد بعيدا عن الإعلام تقربا إلى الله وليس كسبا للأصوات ومتاجرة بالدين للاستحواذ على السلطة أو التمكن منها. والبلد الوحيد الذي قاوم كل الضغوط الدولية من أجل المحافظة على نقاء العقيدة وسلامة المنهج، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من العنت. البلد الوحيد الذي تتوجه إليه أنظار الدعاة والمسلمون خاصة السنة منهم، ويعتبرونه السند، والقائم على نشر صحيح الإسلام، والبلد الوحيد الذي لا يشترك بحدود مع إسرائيل ومع ذلك يصر قادته على أن لا يبيع القضية الفلسطينية بأية مغريات، مع أن الغرب يتمنى مجرد إشارة من القيادة السعودية تعترف بهذا الكيان لتتحول كل جماعات الضغط لخدمة المصالح السعودية في الخارج. أعطوني تجربة للحكم في عالمنا العربي والإسلامي تضاهي التجربة السعودية لنقتنع بأن من تتعلقون بهم هم أقرب إلى تطبيق الشريعة من بلادنا فنلتمس لكم عذرا فيما تروجونه. إن قلتم تجربة الإخوان في مصر التي لم تكمل عامها الأول غير كافية للحكم عليهم، فهل ما اتخذ من قرارات تطبيع مع إسرائيل، ومخاطبة رئيسها بالصديق العزيز، وضمان أمنها من مقاومة حماس، وعقد الصفقات مع الغرب لتثبيت سلطة الإخوان قد فرض عليهم أم هو تقرب إلى السلطة من البوابة الغربية؟ هل أقفل ناد ليلي أو منع بنك ربوي أو تحفظت مصر في عهد الإخوان على معاهدة دولية تختلف مع ما ثبت من الدين بالضرورة؟ وقس على ذلك تركيا وتونس والمغرب حيث يحكم التنظيم العالمي للإخوان. أسئلة كثيرة يمكن لنا أن نطرحها بموضوعية لنعرف أن لنا وطنا نتشرف بالانتماء إليه، وأن التجارب الأخرى من حولنا ليست بذلك البريق الذي يجعلنا مبهورين بها. ليس كل من هو ضد التجربة الإخوانية في الحكم هو ضد الإسلام، وليس صحيحا أن عدم تمكين الإخوان من الحكم هو رفض للمنهج الإسلامي في الحكم، هذا غير صحيح على إطلاقه، وإنما يمكن وبتحيز كامل للتجربة السعودية أن نعايش تجربة إسلامية في الحكم بعيدا عن المزايدات والشعارات. لنقف في قلب الرياض ونتلفت إلى العواصم العربية والإسلامية من حولنا، ونقارن حالنا بأحوالهم..