×
محافظة مكة المكرمة

المعرض السعودي الدولي الـ10 للمياه والكهرباء يبدأ أعماله في الخبر

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي لم يخطئ، بالطبع، الذين وجدوا الفيلم الذي حققه بريان دي بالما قبل سنوات، «الداليا السوداء» معقداً أكثر مما يحتمل موضوعه. باختصار لم ير أحد يومها أن في امكان هذا الفيلم أن يفوز بأية جائزة كبرى، أو أن يسبغ كبير مجدٍ سينمائي على أي من العاملين فيه، ولا سيما دي بالما الذي ربما كان واثقاً حين كان يشتغل عليه انه قد يعود عليه بأوسكار أو أكثر. ومع هذا، من المؤكد أن «الداليا السوداء» كان أحد الأفلام التي دخلت، وستدخل أكثر وأكثر، تاريخ السينما، من الباب العريض. وذلك، قبل أي أمر آخر، لأن الفيلم له خصوصية لافتة: انه يقدم جانباً من تاريخ السينما نفسه. جانباً عتماً من دون شك من تاريخ هوليوود. ونحن نعرف أن معظم الأفلام التي حققتها هوليوود عن هوليوود، كانت دائماً ذات سحر لا يقاوم، حتى حين تكون ضعيفة الإخراج أو السيناريو، وهي ليست كذلك دائماً. بل يمكن القول إن «الداليا السوداء» نفسه، لم يكن فيلماً ضعيف الاخراج والسيناريو. وإضافة الى هذا علينا ألا ننسى ان الفيلم مأخوذ من رواية لجيمس ايلوري، وهو إحدى أساطير رواية التشويق البوليسي في أميركا اليوم. فماذا اذا عرفنا، زيادة على هذا، ليس فقط ان الفيلم ينطلق من حادثة حقيقية شكلت لغزاً عصياً في تاريخ هوليوود، بل يشكّل أيضاً اطلالة على جريمة ارتكبت خارج هوليوود، هذه المرة، وكانت ضحيتها ذات يوم والدة جيمس ايلوري نفسها؟ > ولئلا يبدو كل هذا الكلام غامضاً غموض أحداث الفيلم، نوضح: في سنوات الأربعين في لوس أنجيليس وجدت جثة الحسناء المتطلعة لتكون نجمة في السينما، اليزابيت (بيتي) شو، مرمية في مكان ناءٍ غير بعيد من هوليوود وقد فُرّغت من أحشائها وتبدو عليها آثار تعذيب. وحتى اليوم بعد عشرات السنين لم يستطع أحد أن يحل لغز تلك الجريمة التي طاولت صبية في الثانية والعشرين من عمرها، كانت اعتادت ارتداء السواد، في خرق لقواعد التزيي الهوليوودية. المهم، بعد ذلك بسنوات وخارج كل هذا الاطار، وجدت جثة والدة ذاك الذي سيصبح كاتباً بوليسياً شهيراً، وقد اغتصبت صاحبتها. وقد بدا من الواضح لاحقاً، أن جيمس ايلروي، لم ينس أبداً ما حدث لوالدته، لكنه حين أراد أن يكتب عنها، مزج بينها وبين اليزابيت شو في رواية تعويذة واحدة، حيث انه اذ افترض في الرواية حلاً للغز موجهاً أصابع الاتهام الى شخصية محددة من شخصيات الرواية، ولو تعدّياً على الحقيقة التاريخية، أحس أخيراً أنه ارتاح من شبح أمه الذي كان يطارده طوال سنوات شبابه كما يبدو! > غير أن هذا كله سيبدو ضئيل الأهمية في الفيلم نفسه، مقارنة بجانبه الآخر: الجانب الهوليوودي الخالص والساحر. فكما أشرنا، ينتمي «الداليا السوداء» الى ذلك النوع من السينما الذي تلتفت اليه هوليوود بين الحين والآخر، لتحقق ضمن اطاره عملاً سرعان ما يتخذ مكانته الفنية والتاريخية. ويقيناً أن ليس من السهل وضع لائحة بكل أفلام هوليوود «الهوليوودية»، ولكن يمكن على سبيل المثال ذكر النماذج الأشهر - وربما الأفضل في أحيان كثيرة -، من «سانست بوليفار» لبيلي وايلدر، الى «مولد نجمة» لجورج كيوكر، ومن «أسبوعان في مدينة أخرى» لفنشنتي مينيللي، الى «آخر العمالقة» لإيليا كازان، ومن «رحلات ساليفان» لبرسون ستارجس، الى «صباح الخير يا بابل» للأخوين تافياني، وهي أفلام سنتناول بعضها وأخرى الى جانبها في هذه السلسلة لمناسبة الدورة الجديدة لمهرجان «كان» التي تشهد عروض أفلام عدة عن موضوع السينما تحديداً. طبعاً يمكن مواصلة هذه اللائحة الى ما لا نهاية... ولكن في الوقت نفسه يمكن الاقتراب أكثر من أيامنا هذه، لنقول ان الموضوع الهوليوودي يزداد ممارسة لسحره على السينمائيين في شكل مكثف خلال السنوات الأخيرة. > أما الفيلم الذي نافس «الداليا السوداء» حين عُرضا قبل سنوات في الوقت نفسه فكان فيلماً قدّم موضوعه، من خلال عنوانه، من دون لف أو دوران، وهو «هوليوود لاند». ولئن رجح معظم النقاد كفة هذا الفيلم الأخير على كفة فيلم برايان دي بالما، فإن ثمة قاسماً مشتركاً بين الفيلمين: جريمة هوليوودية، يصعب كشف كل ألغازها. ولكن اذا كانت جريمة «الداليا السوداء» طاولت فتاة مجهولة تحاول أن تشق طريقها في هوليوود، فإن جريمة «هوليوود لاند» طاولت نجماً كان واسع الشهرة في الخمسينات، هو جورج ريفز الذي كان أول من قام، واشتهر جماهيرياً، بأداء دور «سوبرمان». فريفز وجد ذات يوم من العام 1959، ميتاً في حمام شقته. وبدا للوهلة الأولى أنه مات انتحاراً. ومع هذا لم تصدق ام الممثل هذا، بل آمنت بأن ابنها مات قتلاً، وهكذا يندفع التحري الخاص غريب الأطوار لويس سيمو (ادريان برودي) الى محاولة الوصول الى الحقيقة. في البداية لا يبدو سيمو واثقاً من الأمر، لكنه مع هذا، ولأسباب ارتزاقية، يؤكد أن ثمة جريمة ويزود صحف الإثارة ببعض الأخبار والمعلومات التي كان يراها مبالغة تساعده فقط على ربح المال. لكنه بالتدريج يبدأ هو نفسه تصديق ما يذهب اليه، ويستعيد التحقيق بالفعل، حتى يصل الى الكثير من النتائج والقلبات المسرحية. > كان مخرج «هوليوود لاند» آلن كولتر، في فيلمه الأول، وهو عرف مع هذا كيف يرسم المناخ الهوليوودي («هوليوود لاند»)، فعادت معه عاصمة السينما الى الواجهة. ومن الواضح هنا أن هذه العودة المزدوجة، تدفعنا الى التساؤل عن السبب الذي يجعل حضور هوليوود في ذاكرة السينما والسينمائيين، مرتبطاً بالجريمة. حيث لا بد لنا من أن نلاحظ هنا أن معظم الأفلام التي ذكرنا، تتمحور حول جريمة، أو تنطلق من انتحار (بل ويحدث في «سانست بوليفار» أن يحكى لنا الفيلم كله من وجهة الصحافي - ويليام هولدن -، الذي تفتتح أحداث الفيلم عليه وهو ميت في حوض السباحة في فيلا النجمة الغاربة - غلوريا سوانسون -)؟ هل في هذا دلالة ما؟ هل الجريمة، في هوليوود تتخذ معنى مختلفاً عنها في أي مكان آخر؟ يقيناً أن أسئلة مثل هذه تبقى في رسم علم الاجتماع وتحليلات السلوك الجماهيري العام. ومع هذا يمكن القول هنا ان بروز هوليوود من خلال الجرائم وضروب الانتحار والأحداث الكبرى التي تطاول النجوم، أو يكون هؤلاء طرفاً فيها، أمر يعود الى عقود طويلة ماضية، سبقت حتى تجرؤ الهوليووديين على معالجة هذا الجانب من تاريخ مدينتهم. وإذا كان سبق لنا، في سلسلة حلقات نشرناها في «الحياة» قبل سنوات أن تناولنا حكايات عدة حقيقية عن جرائم ارتُكبت في هوليوود أو حولها، فإن ما يمكن قوله هنا، لمناسبة الحديث عن هذا النوع من السينما، هو أن معظم تلك الحكايات حولت لاحقاً الى أفلام، وغير مرة بالطبع. > وللمناسبة هنا لا بأس من العودة الى الاشارة الى أن هذا كله ليس جديداً، حيث إن هوليوود كانت بدأت حديثها عن هوليوود باكراً جداً، منذ بداية سنوات العشرين من القرن الفائت، على الأقل، حين قام ويل روجر ثم هارولد لويد، مرات كثيرة بأدوار في أفلام تتحلق من حول السينما، وذلك قبل أن يمثل بنغ كروسبي وماريون دايفيس معاً في «الذهاب الى هوليوود» ثم همفري بوغارت متنقلاً من دور منتج (في «استعداد») الى دور كاتب سيناريو (في «مكان وحيد») فدور مخرج (في «الكونتيسة الحافية»)، فاتحاً الطريق لكبار أتوا بعده لاعبين أدواراً هوليوودية، خيالية أو نابعة من الواقع، في عشرات الأفلام، «الهوليوودية - الهوليوودية»، التي لم تعدم بين الحين والآخر من يتهمها بنرجسية الإعجاب بالذات. > ولكن هل حقاً، بعد كل ما أشرنا اليه من أفلام، يجوز الحديث عن إعجاب لهوليوود بنفسها عبر هذه الأفلام؟ من الصعب الموافقة، ولكن في المقابل يمكن طبعاً الحديث عن إمعان هوليوود في إضفاء سمات الأسطورة على ذاتها وتاريخها ولو عبر عملية جلد ذات دائمة. فهل يمكن اعتبار هذا نرجسية مقلوبة مثلاً؟