سعدت مؤخراً بتسجيل حلقتين متتاليتين في برنامج إضاءات (ستبث أولاهما يوم الجمعة القادم).. وخلال اللقاء طرح عليّ الأستاذ تركي الدخيل سؤالاً تمنيت أن يطرحه أحد منذ فترة طويلة: هل لك أن تخبرنا ما الذي يميز الكتابات العلمية عن غيرها من المجالات كالكتابة في مجال السياسة والاقتصاد والمحليات مثلا؟ ... أما إجابتي على السؤال فيمكن تلخيصها بثلاث مزايا رئيسية: فأول ما يميزها أنها (مثل الكتابات الرياضية) تسير بخط مستقيم وتنتهي بنتيجة واضحة.. وفي المقابل الكتابة في مجالات السياسة والاقتصاد والشؤون العربية والمحلية تسير دائما ضمن دوائر لا تنتهي وتكررها الأقلام بأساليب وصيغ مختلفة.. فحين تتحدث عن قضية علمية أو طبية ستنتهي إما مؤكداً أو مشككاً أو رافضاً لها.. أما حين تتحدث عن قضية محلية كالبطالة وعمل المرأة فلن تنتهي أبداً وتظل تدور في إشكاليات مرهقة وتعيد كلاماً كرره الكثيرون قبلك.. ونفس الحال ينطبق على عالم السياسة والقضايا العربية، فمنذ الخمسينات ونحن نتحدث عن تحرير فلسطين والوحدة العربية وظلم المؤامرات الغربية (الخ الخ) حتى مل الناس من الوحدة والمواجهة ولم يعد يهتم أحد حتى "بريال فلسطين"... وأنا لا أقول هنا إنها قضايا غير مهمة أو حيوية ولكننا ككتاب ساهمنا للأسف في إطفاء وهجها من كثرة تكرارها وتنظيرها دون امتلاك القدرة أو الخبرة على حلها (وما أسهل تبرير المصيبة بعد وقوع الفأس بالرأس)!! ****** ****** ****** أما ثاني حسنة تميز الكتابات المعرفية (ولا أقول العلمية) فهي أنها دائمة التجدد وتضيف لحصيلة القارئ الثقافية والفكرية بدل استغفاله أو اللعب على مشاعره.. وحين تنتهي من قراءتها لا تصاب بصداع عربي أو اكتئاب محلي، بل تنتهي سعيدا بفعل الدهشة، ومنتشياً بفعل المعرفة، وغير نادم على الوقت الذي ضيعته في قراءة الصحيفة! .. أما لماذا أدعوها كتابة معرفية وليست كتابة علمية (ولماذا أكره وصفي بالكاتب المعلوماتي وأفضل عليها كاتب معرفي) فلأن هناك فرقاً كبيراً بين المعلومة والمعرفة.. فالمعلومة وكما ذكرت في برنامج إضاءات حقيقة عامة ومجردة ومتداولة يمكن أن تجدها في جوجل وويكيبيديا وأي كتاب ورقي رخيص.. أما المعرفة ففكرة جديدة وغير مسبوقة يستنتجها الكاتب من معلومات قد يعرفها الجميع.. فحين تقول (الصين أكبر دولة في العالم) فهذه معلومة، أما حين تستنتج من خلالها أن (سكان السعودية سيصلون لنفس الرقم بعد ستة أجيال إن استمروا بنفس معدل تناسلهم الحالي) فهذه معرفة جديدة.. حين تحدثنا عن شيء نعرفه ولم تشارك أنت في صنعه فهذه تدعى معلومة (كأن تخبرنا مثلاً بقصة الطير الأبابيل) أما حين تخبرنا بطبيعة هذه الطيور؟ ومكان قدومها؟ واحتمال ظهورها في مناطق أخرى من العالم فهذه معرفة لم يسبقك إليها بشر!! ولضيق المساحة ؛ سأستكمل حديثنا في المقال التالي...