ما يحدد مساحة المجهول ومساحة المعلوم والمسافة بينهما ليس دائما المعلومات، إنما هي الأسئلة. خاصة في الظواهر الجديدة والمسائل المرتبطة بالموت والحياة و«الآن» الزمنية والـ«هنا» المكانية. كثيرا ما نجد أنفسنا في معضلة أخلاقية أو مهنية عندما نريد أن نوائم بين تضارب حق الإنسان في المعرفة من ناحية وحق المجتمع في عدم المبالغة في التخويف وزيادة توتره ورفع قلقه، كما هي الحال مع الأمراض والفايروسات الجديدة مثل فايروس كورونا. إن المواءمة بين حقوق الفرد في الحصول على المعلومات من ناحية، وحق المجتمع بعدم إثارة المخاوف والهلع والقلق، من ناحية أخرى أمر بالغ الصعوبة والتحدي. وليس بالأمر الثابت دائما وباستمرار أو القابل للتسويف. ولأن المعلوم والمجهول يقفان على قدم المساواة في مسألة تتعلق بثلاثة أبعاد تلامس حياة الإنسان: الموت والحياة، والآن الزمنية والـ«هنا» المكانية. ليس هناك جسور أمتن من جسور الأسئلة، في حالة كورونا بين من يملك المسؤولية ومن يبحث عن إمكانية محاصرة خوفه في زوايا المعلوم أو الممكن أو الموثوق. استوقفني وأعجبني كثيرا حديث معالي وزير الصحة المكلف المهندس عادل فقيه وهو «يتعهد بالتواصل الدائم مع المجتمع وإحاطته بنتائج المتابعة والمراجعة التي تعمل عليها وزارة الصحة في الوقت الراهن». وقد بدا حريصا ومتفهما وهو يؤكد «على الالتزام بمبدأ الشفافية والإفصاح، مع وسائل الإعلام وكافة أفراد المجتمع، وتوفير إمكانية الوصول إلى المعلومات في الوقت المناسب بيسر وسهولة، وذلك ليس فقط لأن من حقكم علينا الحصول على هذه المعلومات، بل أيضا لكونكم مساهمين معنا في التغلب على هذا التحدي الصعب، حيث إن تضافر جهود المهتمين وأفراد المجتمع كافة مع الوزارة لن يتحقق إلا بتوفر المعلومات الصحيحة لديهم». إن تصريح وزير الصحة يؤسس لإدارة معلومات الأزمة والذي تحتاجه وزارات عدة بما فيها وزارة الصحة، ويعد هذا المنهج خطوة في الاتجاه الصحيح والتي كان ينتظرها الناس بفارغ الصبر، فهو لم يتحدث عن اكتشاف علاج جديد يقضي على كورونا لكنه أعطى الناس المسؤولية بأن يكونوا شركاء في أن يتشاركوا بالمعلوم وبأن يحاصروا المجهول، فالإنسان دائما أسير المعلومات المتداولة، وهو يعيد تدويرها ليس لقيمتها دائما إنما لقلقه، ولأنه لا يجيد أسئلة حولها، وبالتالي هو لا يكترث بالمعلومات الغائبة أو المجهولة، لأنه لا يعرف كيف يسأل عنها وبمعنى آخر، يتساوى المعلوم والمجهول، لدى المجتمعات غير القادرة على طرح أسئلة والتي أحيانا تشكل أهمية أكثر بكثير من المعلومات المتاحة، هناك علاقة كبيرة بين الخوف من المجهول وعدم الاكتراث بالمعلوم. فالإنسان لا يحسن دائما طرح الأسئلة التي توصله للإجابات أو إلى تخوم الإجابات بحيث يخفض مستوى المجهول ومن ثم يخفض درجة الخوف والقلق والتوتر، مشكلة هذا النوع من المعلومات يتطلب درجة عالية من القدرة على طرح الأسئلة.. هي الأسئلة التي تتعامل مع المجهول، كما تفعل الإجابات مع المعلوم. الأسئلة أدوات هدم والإجابات أدوات بناء.