لا تخلو حقائب العائدين من أسفارهم -غالباً- من مشتريات متنوعة، تم شراؤها تلبية لطلبات ورغبات الكثيرين ممن حولهم، وتحديداً ممن حرص على اغتنام فرصة سفرهم للخارج، وطلب منهم ما يريد اقتناءه،. وعلى الرغم من أنّ السفر للخارج لم يعد حدثاً بحد ذاته، إلاّ أنّ عبارة "جيب معك وأنت جاي" ما زالت مترصدة لبعض المسافرين، حتى هذا الوقت الذي أصبحت فيه الأسواق مليئة بكل المنتجات العالمية، وإن لم تتوفر هنا فإنّه حتماً يمكن شراؤها والحصول عليها عن طريق مواقع التسوق عبر الإنترنت، وشحنها عن طريق شركات التوصيل، بدلاً من الإثقال على المسافرين وإزعاجهم لطلب عطور، أو مكياج، أو ساعات، أو إكسسوارات، أو أجهزة إلكترونية وكهربائية، أو أقمشة، ووضعهم في موقف محرج بين الاعتذار الذي قد يصاحبه غضب الطالب، أو الإيفاء بالوعد والإضرار بميزانية السفرة، التي ستتأثر كلما زادت الطلبات وارتفعت تكلفت الشحن. طلباتهم أوامر وكشف "ماجد العنزي" أنّ هذا السلوك طبيعي جداً في أجواء العلاقات الوطيدة، خاصة مع أقرباء الدرجة الأولى وأعز الأصدقاء، فهؤلاء "طلباتهم أوامر"، مبيّناً أنّ الطلب لا يكون مستهجنا إلاّ في حالات العلاقات السطحية، أو حينما لا يكون الاتصال إلاّ لهذا الطلب، موضحاً أنّه في حال كانت العلاقة وطيدة بين الشخصين فإنّ هذا الأمر لا يشكل أي حرج، حيث انّ قوة العلاقة والشفافية والوضوح هي الضابط في مثل هذه الأمور، مؤكّداً أنّ الأمر يعتمد أيضاً على شخصية الفرد المسافر وقدرته على إيضاح وضعه، والاعتذار إذا ما كان الأمر يشكل ضغطا أو حرجا، وفي المقابل تقبل الطرف الآخر للاعتذار، مبيناً أنّ بعض المسافرين يفضل السؤال عن ما يحبه أقاربه أو أصدقاؤه ليحضر لهم هدايا ذات قيمة لديهم، وهنا تكون الفرصة مناسبة لطلب ما يحتاجون، ولكن في حدود تناسب ميزانية المسافر، مشيراً إلى أنّ البعض يعلم بأنّ صديقه أو قريبة لم يسافر إلى ذلك البلد إلاّ بقرض من البنك أو "بنظام القطة" مع أصدقائه ومع ذلك يطلبه شراء ساعات أو نظارات فاخرة تحمل علامات تجارية عالمية؛ مما يضعه في موقف محرج في كلتا الحالتين الاعتذار أو الشراء. راحة واستجمام وأوضح "سليمان العقيلي" أنّه في السابق كان الناس في مناطق نائية في الصحراء أو في قرى وبلدات بعيدة، فمن يذهب للمدن أو سيأتي منها يطلب منه الأقرباء والأصدقاء والجيران إحضار بعض الاحتياجات الأساسية أو الكمالية غير المتوفرة لديهم، وهذا السلوك الموروث عبر توارث العادات والتقاليد قل كثيراً، وذلك بتوفر الاحتياجات الأساسية والكمالية في كل مكان، فالأسواق اليوم تمتلئ بالعديد من الماركات العالمية، معتبراً أنّه من غير اللائق الاتصال بالمسافر وتوصيته بشراء أي شيء، مضيفاً أنّ السفر بالنسبة إليه فرصة للراحة والاستجمام، وليس لشراء احتياجات الآخرين التي ربما يحتاج لتبضعها وقتا طويلا، أو ربما يفوت على المسافر مصالح متعددة، لافتاً إلى أنّه لا يحرص حتى على شراء الهدايا أو الشراء لنفسه، مؤكّداً أنّه لن يرفض طلباً يستحق فعلاً عناء التسوق لأهميته أو لمكانة صاحب الطلب. مظهر شخصي ولفت "سلطان محمد" إلى أنّه يتعامل بذكاء مع الشخص المتصل في حال سماعه تلك العبارة، إذ لا يكون رده بقول "أبشر ما طلبت شي" إلاّ وهو بالفعل قاصداً تلك الجملة، بحيث يكون ثمنها قليلا وحجمها صغيرا، عدا ذلك يعتذر ويقترح عليهم الاتجاه لشراء عن طريق الإنترنت، موضحاً أنّ من يبحث على الظهور بمستوى معين متباهياً بأنّ "كشخته" من البلد الفلاني عليه الاعتماد على نفسه، فالأمر ليس بتلك الصعوبة حالياً؛ لأنّه من "العيب" إشغال الآخرين وإرهاقهم مادياً، في سبيل طلبات غالباً ما تتعلق بالمظهر الشخصي فقط، مشيراً إلى أنّه لو أنّ أحدهم طلب شراء كتاب أو لوحة فنية أو دواء معين أو حتى هدية تذكارية من ذلك البلد لما تردد لحظة واحدة في إحضارها، لكن كل ما يطلب يدور في فلك "الكشخة". قلة ذوق! واعترض "ماجد المرزوقي" على السلوك، معتبراً أنّ فيه "قلة ذوق"، مبيّناً أنّه من الأساس ضد الاتصال بالمسافرين للخارج؛ تجنباً لإزعاجهم بمجرد الاتصال ذاته، فكيف إن كان متضمناً لطلبات مزعجة قد يتحرجون في مسألة رفضها، موضحاً أنّه ليس بالضرورة أن تكون كلفتها المادية مصدر الحرج، فالبعض يطلب رقم الحسابات البنكية ليتم تحويل قيمة شرائها، لكن المشكلة تبقى في مسألة تخصيص الوقت لتجهيزها، خاصةً لو كانت تحتاج وقتا طويلا للبحث عنها، أو اختيارها وتجهيزها، بالإضافة إلى ما يقع به المسافر من إحراج عندما لا يجدها، أو عندما يتعرض الطلب للفقد أو الكسر أو الضياع، لافتاً إلى أنّه يواجه تلك الإشكالية حينما يكون الهدف من سفره رحلة عمل، ولا يوجد لديه متسع من الوقت للبحث في الأسواق، حيث يتم اتهامه بالبخل، إلاّ أنّه يجد أنّ الاعتذار من البداية أسلم من الوعد بإحضارها، ثم الرد عليهم بعدم الاستطاعة. رسم الفرحة وأكّد "منصور الفايدي" أنّه يسعد كثيرا بسماع عبارة "جيب معك وأنت جاي"، حيث إنّ "أنفع الناس أنفعهم للناس"، موضحاً أنّ ما يطلب منه شراؤه من بلاد السفر لا يعد من الأشياء الهامة، إلاّ أنّ مجرد فرحتهم بامتلاكها يسعده كثيراً؛ لهذا لا يرى ما يمنع من اغتنام الآخرين فرصة سفره للخارج، خصوصاً وأنّ الكثير من طلباتهم تكون أسعارها بمتناول اليد، مضيفاً أنّه في إحدى أسفاره اشترى لزوجته هدية ثمينة جداً، إلاّ أنّه لاحظ أنّ فرحتها كانت أكبر حينما قدم لها الشيء الذي أوصت به، مشدداً على أنّه لا يتوانى في تحقيق رغبات الآخرين لمجرد رسم الفرحة والبسمة على وجوههم. مسألة تعود وبيّنت "منال محمد" أنّ حقيبتها لا تخلو من ورقة وقلم تدون بها الكثير من الطلبات التي وصلتها عبر برنامج "الواتس آب" ما إن بدلت صورة العرض للبلد الذي تقيم فيه، حيث وصلتها العديد من الطلبات، منها ما يتعلق بماركات الحقائب وأدوات التجميل، معترفةً أنّها من عودتهم على ذلك، فهي محبة للتسوق، وصديقاتها وزميلات العمل يثقن كثيراً في ذوقها، لافتةً إلى أنّ المسألة لديها تعتبر تعودا، فإذا اعتاد الشخص أن يفتح الباب لمن حوله عليه أن يتحمل ما يجده من تعب وتكلفة، أو يكون صريحاً من البداية ويعتذر بلطف منهم، مضيفةً بأنّها على الرغم من ذلك، إلاّ أنّها ترفض فكرة أن تطلب إحداهن شراء أي شيء ترغبه من ماركات عالمية، إذ يمكنها أن تلجأ للكثير من الحسابات التجارية في برنامج "الإنستقرام" أو غيره من المواقع الإلكترونية. عفش زائد وقالت "فايزة القبلي" إنّها لا تجد حرجاً في الاعتذار مباشرة ممن يوصيها بشراء أشياء معينة، إلاّ في حال إعطائها ثمن تلك المشتريات وتكلفة شحنها قبل السفر؛ بسبب تعرضها للعديد من المواقف المحرجة مع زوجها، مضيفةً أنّ البعض من المقربين لا يرضيهم أن تشتري هدايا تناسب ميزانيتها ليبادر بالاتصال وطلب هدية مشروطة بمواصفات معينة، وحينما توضح لهم بأنّ قيمتها ستكون غالية يكون الرد: "ادفعي وبعدين نتحاسب"، لكن بمجرد استلامهم لطلبهم لا ترى منهم ريالا واحداً، حيث يعتبرونها هدية سفر، في الوقت الذي تكون به قد حرمت نفسها من شراء ما يعجبها، إلى جانب غضب زوجها بسبب "العفش" الزائد وتحمله تكاليفه، مبيّنةً أنّه في إحدى المرات طلبت منها صديقتها شراء حقيبة نسائية بماركة معينة، مشترطة لونها وحجمها؛ مما جعلها تمضي قرابة أربع ساعات بحثاً لها عن طلبها، موضحةً أنّ الأمر كان مزعجاً ومحرجاً لها مع زوجها الذي رافقها في تسوقها، مؤكّدةً أنّ الطيبة والحرص دائماً على كل ما "يبيض الوجه" يوقع الشخص بمشاكل لا حدود لها، مستدركةً: "المؤسف أنّ أكثر هؤلاء حين يسافرون لبلدان سياحية يتكتمون على الأمر إلى حين عودتهم، ولا نرى منهم لا أبيض ولا أسود".