في الحقيقة هي لم تتحدث العربية لكنها تحدثت في شأن عربي فبدت لكنتها الألمانية واضحة، الجملة الألمانية التي قالتها غير مفهومة، ولا تمت بصلة الى ما هو متبع في ألمانيا، فمِركل قالت إن «على مصر ألا تقصي الإخوان المسلمين من الخريطة الجديدة التي تقرها هذه الأيام»، وإن بدا كلامها حقاً وأن الإقصاء فعل يناهض الديموقراطية، إلا أنني كنت أفضل أن تأخذ السيدة مِركل «الإخوان» عندهم في ألمانيا قبل أن تقرر أن تفتي في الشأن المصري، وتجربهم وتذوق طعم حكمهم كي تخبرنا عن طريق التعليم بالممارسة أين تضع هي الإخوان لو أنهم جلسوا معها في حكومتها؟ وأنا هنا لا أتحدث عن الإخوان كجماعة دينية بل كحزب وكممارسة حزبية، فتقول لنا مثلاً ماذا لو أن حزب الإخوان في ألمانيا وصل إلى الحكم، وأول ما فعله هو سن قانون يمنع التلفزيونات الألمانية من تقليد رئيس ألمانيا أو وضعه كاريكاتوراً في أحد المسلسلات الألمانية؟ وماذا لو حاصر مناصرو الحزب الفائز في ألمانيا المحكمة الدستورية ومنعوا قضاتها من الدخول إليها؟ أو أُعلن بيان دستوري يحمي قرارات الرئيس ويرفض الطعن فيها؟ أو أن الرئيس في ألمانيا استهتر بقرارات المحكمة الدستورية وأقال النائب العام؟ ماذا لو أن رئيس ألمانيا خطب في أول ظهور له أمام الشعب وقال «إذا أخطأت فقوّموني»، ثم غضب عند أول محاولة تقويم؟ تناقضت أقواله حتى في زعمه أنه اشتغل في وكالة ناسا الفضائية، ثم عاد يقول: «أنا لم أقل إنني اشتغلت في ناسا». العمل في «ناسا» ليس خبرة مهمة في عمل الرئيس، لكن الحكومة التي تنهار في أول عام وتعجز عن توفير البنزين والكهرباء وتنصح الناس أن يناموا في غرفة واحدة أو بفانيلات القطن هي حكومة فاشلة. وحين تغضب من هذا الوصف تصير حكومة مستبدة، هذا غير أشكال الفساد الاستخباراتي والمالي والذمي الذي نشرت وثائقه حال خروجهم من السلطة، وأعجب ما قرأت فيه هو فوز ثلاثة آلاف خطيب في مسابقة لوزارة الأوقاف كلهم من السلفيين، وأقصي منها جميع خريجي الأزهر، فهل في هذه الحركة أبسط حالات الإقصاء الذي تفهمه أميركا وألمانيا. أم تحتاج السيدة مِركل إلى ترجمة؟ الغريب أن موقف أميركا وألمانيا جاء سريعاً واضحاً تمام الوضوح، وأسفر عنه قطع المعونات بحجة أن أميركا لا تساعد شعباً أسقط رئيساً منتخباً، وإن بدا هذا الرد مقنعاً للعالم الديموقراطي الذي يتحدث اللغة ذاتها، إلا أن اللغة اختلفت مع الرئيس بشار الأسد، مع أنه رئيس غير منتخب جاء بالوراثة في نظام جمهوري، وقتل شعبه حتى تجاوز المئة ألف قتيل، وهدم البيوت والمساجد، وهجّر الملايين، ولا تزال تفكر، وتقدم رجلاً وتؤخر أخرى حتى سقطت سورية في حرب أهلية. يبدو أن الأنظمة الغربية اكتشفت أن هناك طريقة أرخص لإبادتنا لا تكلفها شيئاً وهي ضربنا ببعض، لكن الغريب أن الإخوان هذه المرة هم من قفزوا الى أحضان الأنظمة الغربية وجلسوا في حضن مِركل في ألمانيا، واليوم هم من طلب أن يكون الغرب وسيطاً بينهم وبين أحزاب مصر الوطنية، «عشنا وشفنا يا مِركل»، لا أعرف كيف يقولونها بالألمانية. balbishr@gmail.com