×
محافظة مكة المكرمة

شدد على أن الحكام معرضون للأخطاء مثل غيرهم .. وأثنى على المنتخب الأولمبي .. أحمد عيد: أولى جولات الدوري « جيدة» .. وهذه نتائج اجتماعي مع المالية

صورة الخبر

طغى المشهد المصري على بقية الأحداث الساخنة في العالم، ولعب الإعلام دوراً مهماً في نقل المشهد وتوثيق تفاصيله، رغم أنه بدا متناقضاً لحد كبير، فما تنقله هذه القناة، يختلف بقدر كبير عما تنقله قناة أخرى، الأمر الذي فرض تساؤلات عديدة عن أسباب هذا التباين الذي قلب الأبيض أسود وبالعكس، لدرجة تكاد لا تجد اي تقاطع بين الخبر نفسه الذي تبثه هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك. وتجلى هذا التباين بين ما تنقله قناة العربية من أخبار تتحرى مصداقيتها، وما تنقله قناة الجزيرة من أخبار منحازة بشكل مسيء للمهنية الإعلامية، الذي أدى إلى اختلاف هائل في التحليل بين متابعي القناتين، الأمر الذي يستدعي قراءة موضوعية في الأسباب والمقدمات والنتائج. ولا يمكن القول هنا إن المشهد الإعلامي يقتصر على لونين فقط، هما لون قناة العربية ولون محطة الجزيرة رغم سيادتهما الواضحة على الفضاء، بل هناك ألوان إخبارية أخرى، قد تكون غير فاعلة أو هامشية، لكنها حاضرة في المشهد الإعلامي، وتؤثر بطريقتها، مثل (سكاي نيوز وبي بي سي عربية) وغيرهما. ساسي جبيل: التونسيون لا يثقون بقناة الجزيرة ومع هذا الاختلاف فإن السؤال الأساسي، هو: لماذا حصل أساساً؟. وأين موضوعية الإعلام ومهنيته التي تنقل الواقع كما هو؟. وقد حملنا هذا السؤال لمجموعة من الباحثين والأكاديميين وخبراء الإعلام ليدلوا برأيهم في المشهد الإعلامي الراهن. في البداية قال الدكتور فارس البياتي رئيس جامعة العلوم الإبداعية في دولة الإمارات إن: "واقع الأحداث يشير إلى أن شعب مصر هو الذي قرر التغيير دون تدخل من أحد، ويلاحظ أن الإعلام عموماً كان بين (محب وكاره) لهذا التغيير، وكانت لغة الإعلام خلال الأيام الماضية تعبر عن هذا الاختلاف الذي أثر على الحقيقة، وما جاء من خلال تغطية الحدث إنما هو تجاذبات إعلامية تمثل اتجاهات سياسية، والنتيجة كانت واضحة في نقل الحقائق أو إخفاء بعضها تبعاً للمصلحة، ولذا لم نجد حيادية تامة في كثير التغطيات الإعلامية للحدث المصري، وكنا كمتابعين ومراقبين للأحداث نقلب الأخبار ونبحث عن الحقيقة هنا وهناك لنبحث عن الحيادية والموضوعية، لكن بلا نتيجة". ويضيف البياتي: "للأسف أن المشاهد مهما تحرى الإنصاف ومهما كان راغباً في البحث عن الحقيقة المجردة فإنه لابد أن يخضع لإرادة هذه القناة أو تلك، وذلك رغم أن حقيقة الوضع المصري واضحة وجلية وبسيطة تقول إن الإرادة الحرة للشعب هي التي حسمت الموقف لصالحها بمساعدة الجيش". من جانبه قال الدكتور خالد الفرم أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام: "أولاً لا يوجد إعلام محايد 100% في العالم مهما قيل وروج، والمهنية هي التي نبحث عنها وهي التي يجب أن تطغى في هكذا أحداث ساخنة ومضطربة، ومنظومة القنوات الإخبارية العربية سواء كانت "العربية أو الجزيرة أو سكاي نيوز عربية أو بي بي سي" اختلفت في تغطية الأزمة في مصر، فبعض القنوات الفضائية اتضح تحيزها للحزبية على حساب الموضوعية، وسقطت في فخ الإنحياز الممجوج". ويضيف الفرم: "هذه القنوات خسرت مهنيتها وفقدت قواعد الإعلام الإخباري المهني المطلوبة في أحداث سريعة وساخنة وخطيرة كالحدث المصري، وأخلت بالحيادية والموضوعية وفقدت مشاهديها ومصداقيتها ومهمتها في حمل رسالتها الإعلامية المطلوبة. هذه المنظومة الإخبارية تضررت بالتأكيد في أزمة مصر، ولكن يصعب الآن تحديد حجم الضرر في مصداقيتها أو رصد الأخطاء التي ارتكبتها، ولكن يلاحظ النقد الجماهيري والشعبي الذي طغى لرصد أخطائها وإنحيازها لطرف ضد طرف آخر". د. الفرم: لا وجود للحياد التام وما نبحث عنه هو «المهنية» فيما يقول الدكتور وائل علي عميد كلية العلوم التربوية والإعلام في جامعة العلوم الإبداعية عن هذا الخلل الفادح في تغطية القنوات الإخبارية: "المشهد الإعلامي العربي لازال مرتبكاً ومنقسماً على بعضه، وارى أنه لا يوجد إعلام عربي محايد، أو حتى دولي في العالم، فكل جهة أو وسيلة أعلام نجدها تتبع منهج سياسة معينة، لذا فالاختلاف في رؤية المشهد الإعلامي العربي في مصر بين قناتي العربية والجزيرة تحديداً يعود إلى وجهة نظر كل قناة إعلامية إخبارية ومنهجها وآيدلوجيتها التي تؤمن بها وتريد إيصالها"، مضيفاً "إننا كمتابعين ومشاهدين نتبع الأحكام العاطفية للأسف، وهذا ما يجعل الإعلام أحد الأسلحة الفتاكة المهمة والخطيرة التي تؤثر في اتجاهات وآراء وأفكار الأفراد بشكل مباشر وخطير، وهذا ماشاهدناه وانعكس على بعض الدول التي فيها اضطرابات حالياً". وشاركنا في هذا التحقيق الخبير الإعلامي التونسي ساسي جبيل بقوله: "يجد المشاهد العربي نفسه اليوم في زحمة الأحداث المتعاقبة مضطرا لاستقاء الخبر من مصادر موثوقة من شأنها أن تشفي غليله، وتجيب عن الأسئلة المتراكمة في ذهنه الذي بات اليوم أكثر اضطرابا من أي وقت مضى، فالمشاهد العربي وبعد ما يسمى بالثورات العربية انقسم بين المحطات الإخبارية المختلفة في الوطن العربي وخارجه مما تسبب له في غثيان من المعلومة المتضاربة بين هذه القناة وتلك، مما جعل الكثير ينفرون كليا من مشاهدة الأخبار باستثناء ما يشاهده في القنوات المحلية". فارس البياتي: المشاهد خاضعٌ لانحياز القنوات مضيفاً: "في الحقيقة إننا في الوطن العربي بين قطبين إخباريين هما قناة الجزيرة القطرية التي انحسر حضورها نظرا لانحيازها التام لشق دون آخر، حتى أن رؤيتها الإعلامية أصبحت مرتبطة ببعض الجماعات الحزبية، على حساب مهنيتها وباتت صورتها اليوم باهتة نفرت الجمهور منها فتراجعت نسبة مشاهدتها بشكل كبير جداً، أما قناة العربية ولأنها تخلصت من المنافسة الخفية مع الجزيرة، وأصبح لها خطها المستقل وحضورها في ذهن الجمهور العريض، نظراً للمسحة المتحررة التي تميز قراءتها للأحداث، وهي قراءة تخلصت نوعا ما من سيطرة جهات معينة كانت تقف وراء خطها التحريري. ولا ننكر أن الخط التحريري للقناتين اليوم منحاز، والدليل توصيف ما يحدث في مصر، إذ تتحدث الجزيرة عن انقلاب، والعربية عن ثورة ثانية.. لكن لا يجب الاعتقاد بأن المشاهد العربي سجين لهما، فالتلفزيونات الوطنية في بلدان ما يسمى بالثورات العربية أصبحت تلعب دوراً مهماً كمصدر للأخبار بعد الثورات". ويضيف جبيل: "كما أن هناك أطرافاً كثيرة من المشاهدين لا تثق في قناة الجزيرة في تونس ومصر بالخصوص. هناك مشهد إعلامي متنوع ومتعدد للقناتين اللتين تمتلكان قدرات بشرية ومادية مهمة لتغطية الأحداث العربية الكبرى وخاصة في مجال البث المباشر، إلا أن هذه المقارنة لا تستقيم لأن هناك قنوات مهنية أخرى مجتهدة جدا وغير منحازة كثيرا إلا أن نسبة مشاهدتها ضعيفة، ولعلها ستكون بالنسبة للبعض قنوات محببة في المستقبل على غرار "سكاي نيوز عربية" و"الحياة" و"فرنسا 24" وغيرها من الفضاءات الإعلامية الأقل انحيازا والأكثر مهنية". ويؤكد جبيل أن المنافسة مهمة في ظل الواقع العربي المضطرب: "والمستفيد الوحيد هو المشاهد الذي يمكنه أن يميز بين الغث والسمين، ويمكنه أن يكون ناقداً حصيفاً لما يشاهد بعيداً عن كل تأثير". أما الباحث والأكاديمي الدكتور عطية الظفيري فيقول إن المهنية والموضوعية معدومان في وسائل الإعلام العربية إلا القليل منها، "وأصبحت قنواتنا الإخبارية ما بين "التزييف والتحيز" وطغت العاطفة الإعلامية على المهنية الحرفية وانقسم الإعلام العربي مثلما انقسم الشارع حيال أزمة مصر، وانشغلت بعض المحطات الإخبارية بالتصيد والترصد على بعضها البعض أكثر مما انشغلت واهتمت بالحدث المهم نفسه الذي يتطلب أن تكون هناك تغطية إعلامية موسعة ونزيهة غير منحازة مع طرف على حساب طرف آخر، واصبح موضوع حيادية الإعلام على المحك". من جانبها قالت الإعلامية خلود العميان رئيس تحرير مجلة فوربس الشرق الأوسط: "بصراحة بعض الفضائيات الإخبارية للأسف ساهمت في اشعال الفتنة وتهييج الشارع وانحازت مع جهة ضد جهة أخرى بشكل ممجوج وواضح بكل صلف وانحازت لأيدلوجية معينة على حساب المهنية والموضوعية، حتى الحوار المطروح في هذه الفضائيات الإخبارية اصبح منحازا وواضحا في تأجيج الصراع واتساع الانقسام وصب الزيت على النار وأصبح هناك تحيز واضح ومكشوف ومبالغ فيه أصلا، وهذا الخطاب الإعلامي غير مقبول لدى المشاهد ولا يوجد هناك توازن ما بين معتقدات هذه القناة او تلك وما يمليه عليها ضمير الواجب المهني، وأصبحت بعض الفضائيات تبث و تزج حزمة من الأفكار المغرضة والمشوشة والضارة سواء في البلد المعني أو الضحك على عقلية المشاهد الذي اصبح يشعر بأن بعض الفضائيات أصبح لها دور في تأجيج الصراع وإيقاظ الفتنة واشتعالها وزيادة التوتر والتعصب واللعب على المكشوف". وتضيف العميان: "يفترض بمثل هذه الفضائيات الإخبارية إزاء هكذا مواقف أن يكون لها دور إيجابي لإطفاء النيران والعمل على ضبط النفس وإخماد الحرائق والانحياز للحقيقة ومعالجة الجروح وليس نبش القبور!". وقال الأستاذ علي الكمالي مدير عام معهد الشرق الأوسط للتميز في دبي: "لقد ذهلنا من حجم التحيز المكشوف واللعب بالنار من بعض الفضائيات العربية الإخبارية التي ساهمت في تأجيج الصراع والانقسام واشعال الفتنة، واتمنى من هذه الفضائيات أن تعيد النظر في رسالتها الإعلامية التي اصبحت مكشوفة لدى المشاهد وأصبحت تلعب دوراً مبطناً وغير مهني وغير موضوعي، وعليها أن تحترم رأي وذائقة وعقلية المشاهد العربي وتقدر مشاعره"، ويضيف الكمالي "بصراحة أصبحنا تائهين ومشوشين نبحث عن الحقيقة في أي وسيلة إعلامية لنعرف أين تكمن الحقيقة، لأن بعض الفضائيات شوشت علينا وقلبت الحقائق وساهمت في التفرقة والعنصرية والانقسام على حساب الحرفية والمهنية، حتى غاب الخطاب الإعلامي العربي المتصالح المفيد الذي يفترض أن يكون منصفا وعادلا لإخماد الحرائق التي أصبحت تحيط بنا من كل جانب، وواجب الفضائيات الإخبارية العربية هو عرض الحقيقة كما هي وليس تأجيج الصراع ونكئ الجراح وتوسعة الانقسام وإشعال الفتن، مما جعل المشاهد العربي يهرب إلى المحطات الأجنبية والبحث في وسائل الاتصال الاجتماعي للبحث عن الحقيقة".