القاهرة: عبد الستار حتيتة تقدمت أطراف من المعارضة الإيرانية في الخارج ببلاغ للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا عن مزاعم تخص المشروع النووي الإيراني. ويتضمن البلاغ الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أمس، تقارير ودراسات من داخل إيران، عن وجود مواقع لم تتمكن الوكالة من الوصول إليها، من بينها مناطق عسكرية، قالت التقارير إنه يوجد فيها أجزاء من البرنامج النووي المثير للجدل، والذي يعتقد أنه يمكن أن يتحول من مجرد برنامج سلمي كما تقول إيران، إلى برنامج عسكري نووي كما يخشى المجتمع الدولي. وجاء البلاغ في صورة تقارير ودراسات تضمنت ما وصفته بـ«أحدث المعلومات» عن «منظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة»، وعملية نقل مقرها من الموقع القديم منذ أواخر العام الماضي، إلى موقع حديث في طهران، وأسماء أبرز العاملين فيها، وتوضيحات بشأن الأقسام التي تتكون منها. وذلك بالتزامن مع قول دبلوماسي غربي لوكالة الأنباء الألمانية أمس إن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها معلومات بشأن مشاريع بحثية أخرى يشتبه فيها». واعتمدت «التقارير» على معلومات قالت «منظمة مجاهدين خلق» الإيرانية إنها استقتها من شبكة مصادرها داخل النظام الإيراني، لكن دبلوماسيا إيرانيا في العاصمة المصرية علق بالقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «أيا كان مضمونها، لا تزيد عن كونها دعاية ضد إيران من أعداء إيران»، مشيرا إلى أنه لم يطلع على ما ورد فيها و«ليست لدينا معلومات عنها». فيما دافع أحد قياديي «مجاهدين خلق» الذي يقيم في العاصمة الفرنسية باريس، عن «صدق المعلومات التي توصلت إليها المنظمة»، وقال إنه جرى تسليمها أمس للوكالة في فيينا، مشيرا إلى أن المعلومات جرى تجميعها من مصادر في الداخل الإيراني. وتضمن البلاغ أن إيران وضعت «حصانة على أجزاء من البرنامج النووي باستخدام المواقع العسكرية التقليدية ومنع وصول الوكالة الدولية إليها»، وأنه توجد «أعداد لافتة من المواقع والورش والمختبرات التي تعمل في البرنامج النووي، جرى تأسيسها في مواقع عسكرية تقليدية». وأضاف أحد القيادات الإيرانية من المعارضة المقيمة في الخارج وعلى صلة بمتابعة الملف النووي الإيراني، في تعليق عبر البريد الإلكتروني لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «عملية الإخفاء» هي جزء من الاستراتيجية التي تتبعها طهران من أجل تحقيق عدة امتيازات من بينها «حصر بيئة العمل بالمجال النووي وإخفائها عن الأنظار العامة، كون التستر في المواقع العسكرية أمرا عاديا ومبررا. كما يعطي مبررا لتعذر وصول الوكالة الدولية لها». وقال البلاغ إن المواقع التي تعمل جبنا إلى جنب من أجل التصنيع العسكري النووي تقوم عليه مؤسسة خاصة في النظام الإيراني تحت اسم «منظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة»، وأضاف البلاغ أن الرجل الذي يرأسها يحمل رتبة عميد في الحرس الثوري، يدعى «م. ف. ز. م»، وينظر إليه على أنه «الرجل السيادي في البرنامج النووي» ومن وكلاء وزير الدفاع، وأنه يحمل اسما حركيا أيضا هو «الدكتور (م)»، وهو من مواليد مدينة قم عام 1958، ويحمل درجة الدكتوراه في الهندسة النووية. وتقول التقارير إنه جرى التعرف من قبل بعض الأطراف الدولية على شخصية الرجل، للمرة الأولى في عام 2003، لكن دون إدراك كامل لطبيعة عمله وأبعاد العمل الحقيقي للمنظمة التي يرأسها والتي تعرف باللغة الإنجليزية اختصارا بـ«SPND»، مشيرة إلى أن من يعمل على إنشاء الأنفاق ومستلزمات المواقع النووية المخفية، شركات تابعة لوزارة الدفاع. وأنه جرى حتى الآن «رصد نحو 100 من المتخصصين والعلماء الذين يعملون في أقسام مختلفة من هذا المشروع». وأعلنت طهران قبل يومين أنها تريد أن تكون شفافة أمام المجتمع الدولي فيما يخص المشروع النووي. لكن البلاغ الأخير للوكالة الدولية يشير إلى عكس ذلك. وقالت مصادر دبلوماسية في القاهرة إن المعلومات التي يتيحها النظام الإيراني حول الملف النووي «مشكوك فيها»، معلقة على التقارير المذكورة بأنها جديرة بالتحقيق فيها «حتى لا يقع العالم في خدعة تتعلق بموضوع توازن القوى». وقال البلاغ إن «منظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة» أخذت طيلة السنوات الماضية «أشكالا وأسماء مختلفة، وبالتحديد اضطرت إلى نقل موقع نشاطها، ولكنها لم تطاولها يد التغيير إطلاقا بل، في المقابل، توسعت أعمالها في السنوات الأخيرة». موضحا أن «الدكتور (م)»، الذي أرفقت صورة له لأول مرة، «انخرط منذ بداية الثورة الإيرانية في قوات الحرس الثوري، ونشط في مركز للأبحاث في قوات هذا الحرس بعد تشكيله، وأصبح منذ عام 1992 عضوا في الهيئة العلمية لكلية الفيزياء في جامعة الإمام حسين لقوات الحرس وأنه يشغل هذا المنصب حتى الآن، ويحاضر يوما واحدا في الأسبوع أستاذا في هذه الكلية». موضحا أنه «بدأ عمله مع وزارة الدفاع في مجال الأبحاث النووية قبل عام 1992، وهو أحد المختصين القدامى في وزارة الدفاع في المجال النووي، وما زال يتولى مسؤولية النشاطات النووية للنظام في هذه الوزارة»، مشيرة إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالب منذ سنوات بإجراء مقابلة مع هذا الرجل فيما يتعلق بالنشاطات النووية الإيرانية، لكن النظام الإيراني يرفض. وقال أحد التقارير المتضمنة في الورقة المشار إليها أن طهران وضعت في أواخر العام الماضي خطة لنقل موقع منظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة إلى نقطة سرية جديدة بهدف تضليل المجتمع الدولي، وأشارت إلى أن عنوان هذه المؤسسة كان يقع في شارع «موجده» بمنطقة لويزان في طهران، حتى مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، ثم جرى نقل المقر بعد ذلك، وبشكل سري، إلى منطقة أخرى في طهران في شارع «لك بور» التي تقع فيه مستشفى «جمران» التابعة لوزارة الدفاع. وزاد التقرير موضحا أن «هذه المنطقة محمية بالكامل، لأنها تقع بين عدة مراكز تابعة لوزارة الدفاع تشمل وزارة الدفاع وصناعة الغدير وهو قسم من هيئة الصناعة الدفاعية (ساصد)، وتعاون قوات الحرس ومنظمة التربية البدنية لوزارة الدفاع وبلدتان سكنيتان تابعتان لوزارة الدفاع، إضافة لمستشفى جمران»، مشيرا إلى أن «جميع المؤسسات التي لها علاقة بالهندسة النووية يجري نقلها إلى هذا الموقع الجديد، حيث جرى نقل معظمها تقريبا». وتطرق البلاغ إلى مواصفات عدد من «الشخصيات المهمة الأخرى» ممن يعملون في البرنامج النووي الإيراني، من بينهم «المهندس م. ب». وقالت التقارير في هذا الخصوص إنه «من الأعضاء القدامى وخبير في قوات الحرس الثوري، وخبير في مجال إنتاج واختبار أجهزة الطرد المركزي، كما أنه عنصر من وزارة الدفاع المكلف في منظمة الطاقة الذرية, والعنصر الرابط بين منظمة الصناعات الدفاعية ومنظمة الطاقة الذرية». وأضافت التقارير أنه انتقل إلى موقع «فردو» منذ عام 2007 وذلك «بهدف اختبار أجهزة الطرد المركزي». أما الثاني فهو «المهندس ح. ز»، وهو أحد الخبراء في مجال القياس الإشعاعي في موقع «موجدة». أما فيما يتعلق بمنظمة الأبحاث الدفاعية الحديثة، فكشفت التقارير عن أن أجهزتها تتكون من سبعة مراكز جرى ذكرها تفصيلا للمرة الأولى بصورة قالت إنها أكثر وضوحا عن السابق، وتترأس هذه المراكز شخصيات بأسماء مستعارة (أوردت التقارير ما قالت إنها الأسماء الحقيقية لكل مسؤول). والمراكز السبعة هي: «التأهيل والتقنية الدفاعية الحديثة»، و«الدراسات والتنمية التقنية للانفجار والضرب»، و«الإنتاج والتحقيقات الصناعية»، و«التحقيقات وتقنية المواد المتقدمة (مجموعة كيمياوية)»، و«التحقيقات وتقنية المواد المتقدمة (مجموعة معدنية)»، و«التحقيقات وتصميم التقنية الجوية والفضاء الحديثة»، و«دراسات الليزر والفوتونيك».