أصبحت آخذكم بشكل شبه يومي لمواضيع جافة، وربما مملة، وكسرا لهذا الروتين سأحاول كتابة مواضيع خفيفة بعيدا عن هموم الشأن العام وبنيتنا التحتية ومشاريعنا المتعثرة، وليكن ذلك كل سبت ــ بإذن الله، وهو يوم إجازة وراحة بال. أتذاكر معكم اليوم بعض الكلمات الإنجليزية، العربية تحتاج تحضيرا أطول، التي توقفت أمامها أيام الدراسة. ذهبت إلى أمريكا ظانا أن لدي من المفردات ما قد يعين على أول أيام الوصول، ومنذ حطت رجلي في مطار نيويورك أيقنت أن القوم يتحدثون لغة أخرى غير التي أعرف، أو التي كنت متوهما أني أعرف، ومن يعرف لكنة النيويوركي سيفهم ما أقصد، جميعهم لدغ في حرف الراء. مضى برنامج اللغة مملا، لكني تمكنت من "حفظ" بعض الكلمات، وعموما فالطلبة العرب يأخذون أعلى الدرجات في التحدث وأدناها في الإملاء بمرحلة تعلم اللغة، وبصعوبة تمكنت بنهاية البرنامج من تكوين بعض الجمل. في أول سنوات الدراسة التخصصية اعترضتني مفردة احتلال Occupation، وقد رحبت بمعرفتها، فهي تصادف هوى في نفسي بكل تفرعاتها السياسية، ثم فجأة قرأت عبارة حوت كلمة Preoccupied، كنا قد تعلمنا أن Pre تأتي قبل الكلمة لتعني ما قبل أو مقدما، لكنها في هذه الجملة لم تعني مطلقا ما قبل الاحتلال أو العمل أو ما بعدهما، بعد نقاش مستفيض مع مشرفي علمت بأنها قد تعني أن يكون المرء مسكونا مسبقا بفكرة ما تسيطر على فهمه للأمور، بعدها بمدة فهمت أنها قد تعني التفكير خارج الصندوق. في مراحل دراسية أعلى توقفت عند كلمة اغتراب Alienation، بمعنى الغربة عن الديار أو تحويل ملكية، فإن تعاظمت قد تعني المخلوقات الغريبة التي يدعي البعض هبوطها من الفضاء. في حديث مع طالب هندي فاجأني بترديدها في معانٍ أخر، طلبت منه "إسبلها" للبحث في القاموس مجددا، لن أنسى نظرته حين أجابني: وما تفيد القواميس ــ يا عزيزي ــ في إدراك معنى مفردة، من يومها هجرت القواميس وبدأت أبحث في السياقات والمعاني بين الأسطر، فتعلمت أن الغربة قد تكون انسلاخا من ثقافة ما خروجا، أو استلابا من فكرة ما دخولا، وهي حالة مرضية إذا تمت بدون شعور المبتلى بها، بل إن الطبيب النفسي يسمى Alienist. أختتم بمقولة كتبتها على نفسي: إذا صح أن العلم بحر فلا شك أن الجهل محيط.