عبدالعزيز قاسم يشتكي بعض العاملين في ناقلنا الوطني الأم، من عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم، لا لمنسوبيها ولا لشركائها ولا لوكلائها ولا المتعاونين معها، وعليه من الضروري جدا البدء في وضع هذه الاستراتيجية، أو إشهارها إن كانت موجودة أعاننا الله كمواطنين ومقيمين على البلاء وسوء الخدمات التي تنتظرنا في الشهر المقبل – كما الأعوام الماضيات خلال العقدين الأخيرين- مع خطوطنا السعودية الموقرة. ستحلّ الإجازة الصيفية، ويعقبها مباشرة شهر رمضان، ليجتمعا سوياً علينا وخطوطنا البائسة- موسمان معا في هذا العام، وسنضحك حينها ضحكا كالبكاء من حالنا والسفر، بما قال شاعر العربية الأول المتنبي. سنكون على موعد مع تلك الصور التي تحكي معاناة المجتمع في الحصول على مقعد في الطائرة، وصور تمدد النساء والأطفال والمقعدين في كراسيهم في صالات المطارات، دعك من التزاحم في مكاتب الحجز، وصلف كثير من موظفي الحجز، والوجه المتجهم العابس الذي يقول: إن لم يعجبك، فافعل ما شئت، وأشك لمن شئت، كيف شئت، بم شئت، فنبلع – مع تلك الرسالة منهم- الإهانات، ونبدأ مشوار بذل الوجوه وإهراق الكرامة عند مسؤولي الخطوط للظفر بمقعد واحد، ولو في شحن البضائع. لا أفوّت أية فرصة – ويقينا الكثيرون غيري- لأسأل أي صديق له علاقة بالخطوط، عن موعد بدء عمل الناقلين اللذين فازا برخصة العمل الجوي في المدن السعودية، وهما الخطوط القطرية المها والخليجية. للأسف تأتي الإجابة غائمة، وليس ثمة موعد واضح ومحدد، وقد عقدنا الأمل – بعد الله- عليهما، بأن تفرج أزمتنا والسفر جوا، وقد صممت بداخلي أن أودّع خطوطنا السعودية -التي أذلتنا- لآخر العمر، إلا أن تستفيق وهو ما أتمناه كمواطن يحب وطنه، ويتمنى أن ترتقي الخطوط السعودية لتصل لمصاف خطوط خليجية بجانبنا، أتت بعدنا وتجاوزتنا كثيرا في سلم التصنيف العالمي، بفضل حسن إدارتها وتخطيطها. أضع بين يدي مسؤولي الخطوط بعضا من الملاحظات والرؤى عن ناقلنا الوطني الأم، التي سأبديها كمواطن وإعلامي، كونتها عبر حواراتي واستماعي لبعض العاملين في الخطوط والمتعاملين معها من الوكلاء، من خلال المجالس الخاصة التي أغشاها، لعلها تفيد في تصحيح المسار. أولى الملاحظات، هي في ضرورة هيكلة الشركة، فلا يليق أن يعاد أناس للعمل من جديد، وهم الذين أمضوا السنوات الطويلة في مناصبهم، بل وكانوا السبب في هذا الترهل والبؤس الذي عاشته وتعيشه الخطوط السعودية. مديرون مستهلكون، وليس لديهم أي جديد يضيفونه، يعملون بعقلية ثلاثين عاما مضت، فكيف نرجو منهم أن يعصرنوا الشركة، وينافسوا بها، ولربما كان هذا الأمر أحد الأخطاء الكبيرة. يشتكي بعض العاملين في ناقلنا الوطني الأم، من عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم، لا لمنسوبيها ولا لشركائها ولا لوكلائها ولا المتعاونين معها، وعليه من الضروري جدا البدء في وضع هذه الاستراتيجية، أو إشهارها إن كانت موجودة ومطوية في أحد الأدراج المغبرة في مكاتبها العتيقة. يؤسفني القول بأن الجانب الإعلامي باهت جدا، ومن الضروري أن ينال الإعلام حقه، وأن يأتي بشباب ممتلئين حماسة، ومتفانين للعمل والعطاء وإثبات الوجود، ربما لا ألوم الإخوة الموجودين الآن في تراخيهم، فليت شعري أي إنجاز يفتخرون به أو يشهرونه، سوى أخذ بعض كتاب الصحف والإعلاميين لفرنسا ولوس أنجلوس وغيرهما، للكتابة عن الطائرات الحديثة، في الوقت الذي يتكدس فيه مئات المواطنين في المطارات، ويتعطل الآلاف بسبب عدم وجود حجز، وفيهم المريض المقعد، وذوو الحاجات، ورجل الأعمال الذي ضاعت صفقته. لا يليق أبدا أن يتكبد ابن المدن في الأطراف الساعات الطوال ليصل للمدينة التي يريد، مدينة غالية في الطرف الشمالي كـرفحا، المواطن هناك يقضي أزيد من ثمان ساعات، ويمر بأكثر من محطة، كي يصل لمدينة جدة، وهؤلاء ممتدون بالآلاف في مدن الأطراف. من المهم ربط تلك المدن الصغيرة بالمدن الرئيسة في بلادي، ولا يقولن أحد إن ذلك غير مجد اقتصاديا، فأنت ناقل وطني، تأخذ دعما وتتمتع بمزايا وفرتها لك الدولة، في ظل غياب خطوط نقل بديلة كالقطار مثلا، فلا يحق لك أن تتحجج والحال هذه بتراخيك. أضع هنا اقتراحا يتمثل في دراسة فصل الرحلات الخارجية عن الداخلية، عبر إنشاء شركة خطوط داخلية، تخصص لها خمسين طائرة وأكثر من ذات الحجم الصغير والمتوسط من الشركة الأم، وتتفرغ الخطوط السعودية للنقل الجوي الخارجي ومنافسة الخطوط الكبرى، بمثل ما فعلت اللوفتهانزا الألمانية والايبيريا الإسبانية، فلربما كان هذا الفصل؛ يتيح لها مرونة وحيوية أكبر، وخدمة أمثل وأفضل للركاب، سواء الرحلات الداخلية أم الخارجية. وطالما الحديث عن مشكلة المدن الصغيرة التي تهمني كمواطن، وبما ننقل في تراثياتنا بأن الشجى يبعث الشجى، أتساءل عن الشركتين المقبلتين المها القطرية والخليجية، ومدى إسهامهما في حل هذا المشكل؛ ربط مدن الأطراف مع المدن الرئيسة، أم أنهما ستكتفيان بأخذ الكعكة الجاهزة في المحطات الأربع الربحية جدة والرياض والمدينة والدمام. الحقيقة أنني سألت بعض المختصين، وأجابوني بأن المعلومات مغيبة، وهم يخشون من أنهما ستخطفان الراكب الدولي السعودي، وأنهما تبنيان استراتيجيتهما على هذا الراكب المربح، أكثر من الراكب المحلي. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في الوكلاء العاملين مع الشركة، ففي مجلس أخير استمعت لأحدهم وهو يشكو مرّ الشكوى، من الروح الطاغية في الشركة الأم باعتبار الوكيل منافسا وليس شريكا، وسمعته وهو يتذمر من سوء المعاملة التي يلقونها كوكلاء من إدارة مبيعات الخطوط السعودية، وكان يقول: الوكيل هو شريك ورافد حقيقي وأساسي مع الخطوط السعودية، وكانت هذه النظرة والثقافة هي السائدة، بل كانت تعقد لنا مجالس ربع سنوية نناقش سويا مشاكلنا، وكيفية الرقي بخدماتنا لمصلحة الراكب والشركة والأم، وللأسف مع مغادرة يوسف عطية مساعد المدير العام للشؤون التجارية السابق، انقطع هذا الاجتماع، وتدهور الأمر، وزاد ضغثا على إبالة، وباتت الشركة تنظر لنا كمنافسين لها. بالتأكيد، الحديث متشعب وطويل، وأمام الخطوط في المرحلة القادمة تحد كبير، فشل فيه من كان ناجحا، والنصيحة لأي مسؤول قادم في هذه المؤسسة انحز للمواطن، فشهادة نجاحك رضا المواطن فقط.