النسخة: الورقية - دولي يرى بعض دوائر صناعة القرار في روسيا (والغرب) أن التوجه الجديد في أوكرانيا الذي قد يأتي بحل، هو أن تصبح أوكرانيا دولة «لا مركزية»، تخلق توازناً بين المركز والأطراف، وتحفظ حقوق كل مكونات الشعب الأوكراني في صناعة القرار السياسي واقتسام الموارد، وتُرضي دول الجوار في سعيها للمحافظة على نفوذ حلفائها وامتداداتها العرقية والمذهبية في المعادلة الأوكرانية على الطريقة السويسرية (الألمان والفرنسيون والطليان). وعشية لقاء وزير الخارجية الأميركي ونظيره الروسي في باريس في 30 آذار (مارس) الماضي، تحدث لافروف عن إمكان إقامة نظام فيدرالي في أوكرانيا «تطالب به مناطق الجنوب والشرق»، عبر صوغ دستور جديد «ينص على هيكل اتحادي يضمن تنظيماً فيدرالياً ويضمن حقوق جميع من يعيشون في أوكرانيا، حيث لكل إقليم امتيازات واسعة في المجال الاقتصادي والمالي والثقافي واللغوي والتعليمي والعلاقات الخارجية». وفي تصريحات للقناة الإخبارية الروسية الرسمية «روسيا 24»، قال فياتشيسلاف نيكونوف، عضو مجلس «الدوما» ورئيس مؤسسة «السياسة» للأبحاث الإستراتيجية في أوائل أيار (مايو) الجاري، إنه يعتقد أن الأزمة الأوكرانية تجاوزت نقطة اللاعودة وأن أوكرانيا لن تعود إلى سابق نظامها القديم ولم يعد ممكناً الإبقاء عليها دولة موحدة مثلما كانت منذ الحرب العالمية الثانية. عموماً، يبدو أن حل الفيدرالية الروسي قيد النقاش مع الغرب، فقد صرح لافروف قائلاً إن هناك «تفاهماً مشتركاً» مع واشنطن حول الإصلاحات الدستورية الشاملة في أوكرانيا. لكن واشنطن لا تريد الحديث عن ذلك. إذ ينتظر الغرب توضيحات في شأن اقتراح الفيدرالية الروسي، لمعرفة مدى انسجامه مع رغبة الغرب في الحفاظ على وحدة التراب الأوكراني، ولم يستبعد وزير خارجية بلجيكا الحل الروسي، إذ صرح قائلاً: «قلت في كييف إن من الممكن الانتقال إلى دولة فيدرالية، لكنه قرار يجب أن يتخذ في أوكرانيا ولا يعود للمجتمع الدولي»، مؤكداً أهمية دور موسكو «لتأمين حماية الأقليات وتنظيم حوار داخلي في أوكرانيا يوصل إلى اتفاق». وعلى رغم الصراخ «الانتخابي» الرافض من المرشحين الرئاسيين في أوكرانيا، وعلى رغم أن 14 في المئة فقط من الأوكرانيين يدعمون نظاماً فيدرالياً في البلاد (في الجنوب يؤيدها 22 في المئة وفي الشرق يؤيدها 26 في المئة)، فإن حل أو خيار الفيدرالية ليس مستبعداً ولا مرفوضاً تماماً. فمع أن كييف أعلنت رفضها الشديد فكرة الفيدرالية، على لسان وزير خارجيتها أندريه ديشيتسيا، فإن الأخير حرص على تقديم بديل: «نحن لن نوسع النقاش حول فدرلة أوكرانيا. ما لدينا بدلاً من الفيدرالية هو لا مركزية السلطة مع سلطات أكبر للحكومات المحلية، من أجل إرضاء حاجاتها». وفكرة اللامركزية سبق أن طرحها بعض الديبلوماسيين الغربيين وقد أيدتها فرنسا بغية تهدئة التوتر الذي يسود هذه المناطق القريبة ثقافياً واقتصادياً من روسيا. وفي كل الأحوال، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة النظر في مسألة توسيع الناتو واستكشاف ترتيبات مؤسساتية بديلة للحفاظ على الأمن الأوروبي في القرن الحادي والعشرين، ويبدو أن الغرب بدأ يدرك ذلك. ففي محاولة الرئيس الأميركي أوباما لنزع فتيل توسيع «الناتو» باتجاه روسيا، قال بوضوح في بروكسيل في 26 آذار الماضي إن «لا أوكرانيا ولا جورجيا حالياً على طريق العضوية في الناتو». وفي أوائل نيسان (أبريل) الماضي قال فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية الألماني: «أستطيع أن أتصور قيام تعاون وثيق بين أوكرانيا وحلف الأطلسي، لكني لا أرى إمكانية انضمامها إلى عضوية الحلف». وخلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يومي 4 و5 نيسان في أثينا، عرض وزير خارجية النمسا سباستيان كورتس، خطة لحل الأزمة بين روسيا والغرب عبر جعل أوكرانيا دولة محايدة. وكشف كورتس النقاب عن تلقيه طلباً من نظيره الأوكراني آندريه ديشيتسيا، على هامش الاجتماع، للاستفادة من خبرة النمسا في هذا المجال، قائلاً إن «أوكرانيا طلبت الحصول على خبرتنا في مجال الحياد وعدم الانحياز»، خلال الحرب الباردة. وأعلن أن خبراء النمسا المتخصصين في مجال عدم الانحياز قضوا أياماً عدة في أوكرانيا لتوضيح تجربة فيينا والمفهوم القانوني الخاص بموقفها المحايد. ومن ناحية ثانية، سلط كورتس الضوء على موقفه من انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، قائلاً: إن «هذا يشكل استفزازاً لروسيا»، مشيراً إلى أن «عدم الانحياز أو الحياد سيكون خطوة تسمح بالتعايش السلمي»، رافضاً إكراه بلدان مثل أوكرانيا على الاختيار بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية. وقال وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي إنه «ليس من مصلحة أوروبا أن تؤجج المواجهة مع روسيا والتي بلغت بالفعل أعلى مستوياتها منذ الحرب الباردة». لذلك يمكن القول إن الخيار المثالي لأوكرانيا الجديدة، هو المفاوضات الثلاثية بين الناتو وروسيا وأوكرانيا، التي تكفل حيادها العسكري ونوعاً من الاتحاد الجمركي المشترك بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فليس من مصلحة أحد، وبالأخص الأوكرانيين، أن يستمر الصراع بين روسيا والغرب حول مصير وتوجهات بلادهم الخارجية. * كاتب مصري