رجال في الذاكرة المفكر العصامي أ.د. مبارك واصل الحازمي أستاذ العلاقات العامة بجامعة الملك عبد العزيز. بقلم الكاتب /د.غازي زين عوض الله المدني نشأ في بيت علم وعلوم وفي سماء وفضاء المعرفة، شق طريق حياته بكل معاناة وصبر وجلد، كان يؤمن ومازال أن بناء الشخصية العامة والتعليمية تحتاج إلى جهد في الحياة وأن النشأة والتطور ليس من باب الفلسفة ولكن من باب شق الطريق والنحت في الصخر والتطلع إلى الحياة وإثبات الوجود وهذا في حد ذاته يحتاج إلى بناء طوبة فوق طوبة بأساس متين وأن العمارة لا تعلوم علوا كبيرا فوق سطع الأرض إلا بأياد وسواعد قوية تعمرها في الأرض، فمنذ طفولته كان يرسم خطاه باستراتيجيات وبأهداف وببوصلة توصله إلا مبتغاه ولكن هذا العالم الأكاديمي والمفكر وأستاذ العلاقات العامة مبارك واصل الحازمي تحت غيمة وسقف الأكاديمي بنهض بكل عزيمة وشخذ الهمم لا يمكن أن تشق طريقها إلا بأفق وحضارة مستنيرة، وبعد أن شق الطوق التحق بجامعة الملك عبد العزيز – بادي ذي بدء – إداريا، وبعد أن أمضى وقتا من عمره في العمل الإداري أعد وشخص نفسه إلى الالتحاق بالعمل الأكاديمي وكان له ما أراد من دولاب الأكاديمية إثبات الوجود في سلمها حيث تدرج فيها معيدا في قسم الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز الذي بدأ في نشاته بشعبة اوحدة ألا وهي الصحافة، حتى شب عن الطوق وأصبح تخصص الإعلام فيه ثلاث شعب: الصحافة – العلاقات العامة – الإذاعة، والآن وقد حصل أن تحول القسم إلى كبية مستقلة منفصلا عن كلية الآداب. لقد زاملت أ.د.مبارك الحازمي في القسم ولكن من باب الحق والحقيقة أنني أكبره في السن بسنوات لأنني كنت قبل الالتحاق بالقسم أمارس مهنة التجارة وبعد أن ساء الحظ في انخراطي في التجارة التي يطلق عليها بعض التجار تجارة المغامرة إذا لم يحسن التاجر صناعتها وأداءها والحفاظ عليها بخطط ثابتة ومرسومة دون تهور وإهدار المال في غير مكانه ومن هنا تصبح التجارة تسير في مهب الريح وكثير من التجار الذين لقوا مصيرهم غامروا فيها فلفظتهم خارج مساحتها وحدودها لتلقي بهم إلى حافة الطريق وكأنهم في هذا الطريق مارسوا مهنة القمار الحلال وتعاملوا مع دولاب البورصة بزج أنفسهم بمغامرة شراء الأسهم بدون وعي اقتصادي أو ثقافة اقتصادية. وعودة إلى ذي بدء فقد كنا نعمل معا في قسم الإعلام معيدين حتى انتهى بنا المطاف أو الترحال إلى الابتعاث إل الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير والدكتوراه، وكان كل واحد منا يسكن في جامعة أو ولاية انتهت به الدراسة إلى التخصص الذي ابتعث فيه، وأما أنا فكن أدرس في جامعة سان دياجو بولاية كاليفورنيا فأكملت برنامج الماجستير في الصحافة تحت مظلة الاتصال الجماهيري، وحتى أواصل دراسة التخصص الدقيق فلابد لي في الولايات المتحدة أن أقضي على الأقل ثلاث سنوات في المجال العملي قبل قبولي في برنامج الدكتوراه، وبما أن سني قد تقدم في العمر فإذا ما أكملت دراسة الدكتوراه في أمريكا قد عدت وواجهت التقاعد ولذلك نصحني الزملاء في الولايات المتحدة أن أواصل درجة الدكتوراه في مصر حتى أتخرج في التخصص الدقيق (صحافة) وهذا لا يتطلب مني أن أمضي سنوات في المجال العملي، وكل فترة الدراسة تصب في إعداد أطروحتي في هذا التخصص الذي كنت أتطلع إليه وأتمناه منذ صغري وفي سنين شبابي لأنني في سني المبكرة مارست الصحافة ليس مهنيا ولكن غير متفرغ، وقد وفقني الله سبحان وتعالى أن أكون كاتبا صحفيا متنقلا في الصحف السعودية بل ومارستها في مشروع تخرج في الماجستير كناحية عملية في جريدة لوس انجلوس الامريكية وكان ذلك متطلب برنامج الماجستير، إلى جانب ذلك كنت أشرف كرئيس تحرير لمجلة العقل العربي التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية عن نادي الطلاب السعوديين في سان دياجو والذي أسهمت في إخراجه مع بعض الزملاء وعلى رأسهم الأديب والمفكر والعالم أ.د.مع خضر عريف الذي كان يزاملني في الجامعة، ولكن كان في تخصص اللسانيات. أما زميلنا صديقنا الحميم أ.د.مبارك الحازمي أكمل دراسته في مشروعه العلمي في تخصص العلاقات العامة في إحدى الجامعات في أمريكا وحصل على الدكتوراه وعاد ليلتحق أستاذا مساعدا في قسم الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز. أما أنا عدت بعد أن حصلت على الدكتوراه في جامعة القاهرة وانخرطت في قسم الإعلام وهو نفس القسم الذي يدرس فيه أ.د.مبارك الحازمي وخرجت من القسم إلى التقاعد بعد أن توليت رئيس قسم الإعلام ثلاثة أعوام، ولكن أخي وزميلي أ.د.مبارك الحازمي كنت أطارده قبل تقاعدي أن يكمل ترقياته العلمية وأن يتفرغ لها حتى وفقه الله في الحصول على الأستاذية بعد أن كان قد عين وكيلا لجامعة الملك عبد العزيز في الشمال وبعد أن انتهت مدته في الوكالة عاد ليدرس في قسم الإعلام حتى الآن، وأصبح يشرف على قسم الدرسات العليا إلى جانب كونه أستاذا في قسم الإعلام. وإذا كان لي مطلب عنده أخير فإنني أحثه أن يخرج من سلخة أبحاثه العلمية التي ترقى فيها إلى أستاذ كتب سيستفيد منها طلاب العلاقات العامة، لأن الأبحاث العلمية ونتائجها أكثر صدقا ومعرفة في التخصص بحكم منهجيتها في التحليل والنتائج والتوصيات وكلها تصب في خانة دراسات ظاهرة البحث العلمي الذي يأخذ نصب عينيه الحصول على النتائج العلمية عن طريق تحليل المضمون الذي يستخدم الأدوات الإحصائية ويوصي بها. إن وقفتي مع المفكر والعالم مختار التهامي وصاحب مسئولية النظرية الدولية المعترف بها في منظمة اليونسكو والذي أشرف على مشروعي للدكتوراه والتي كانت بعنوان الصحافة الأدبية كان يعاملني في الإشراف بمسك العصا أي أسلوب السهل الممتنع وأن يقسو علي بشدة ويلاحقني بكتابة كل فصل فيها بقراءته للفصول بامتياز حتى أراد الله لي أن أكمل دراسة الدكتوراه وأنا فخور أن الدكتور مختار التهامي مشرفا على رسالتي، وأما إذا تطرقنا إلى الجانب الإنساني والأخلاقي الذي يتكون في شخصية أ.د.مبارك الحازمي وتحدثنا عنه فإنه كان يتميز بدماثة الأخلاق وحسن السيرة والسلوك والبر بالوالدين وهذا سر من أسرار نجاحه في الحياة ووصوله إلى الدرجات العليا في أقصى سلمها بدعوات والديه له. وفي الختام فإن العلم لا يقاس بنهاية سلم الأستاذية والوقوف عندها بجمود فلابد للعالم والمفكر أن يجدد معرفته بالإطلاع على كل تقدم يضاف إلى علوم المعارف في نفس التخصص، وقبل أيام قليلة ودع أزد.مبارك والدته حيث شيعت إلى مثواها الأخير ووريت الثرى في مدينة جدة ومازال بره بوالده مع بقية أخوته برعايته والحرص عليه في كل مفاصل حياته فوالده – أطال الله في عمره – نشأ في بيت علم فهو الذي بنى له قاعدته العلمية وأشرف عليه وحثه إلى إكمال دراسته العليا وفي الأخير سوف أقوم – بإذن الله – قريبا بتكريمه في الصالون الثقافي العربي بالقاهرة مع كوكبة من المثقفين العرب لأنه يستحق التكريم بجدارة بحكم أنه خدم العلم والتعليم ومازال يخدمه في كل المناصب التي تولاها ومن خلال المؤسسات العلمية. أسأل الله أن يوفقه ويوفق الجميع إلى ما فيه الخير.