بعد ثلاثة أشهر على المساهمة الكبرى في تجنب خروج اليونان من منطقة اليورو، يبدأ الرئيس الفرنسي زيارة رسمية لأثينا، أمس، لتركيز الضوء على موارد البلاد الكفيلة بإخراجها من الأزمة. وهذه الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي إلى اليونان بعد زيارة أولى في فبراير (شباط) 2013، في أثناء ولاية رئيس الوزراء السابق المحافظ أنتونيس سماراس. وتعتبر في اليونان رسالة ثقة وصداقة موجهة إلى حكومة ألكسيس تسيبراس. وتمكن المسؤول الأوروبي الأول المنبثق من أوساط اليسار المتشدد في تسعة أشهر من إعادة بلاده إلى سكة الحوكمة الأوروبية السليمة وفرض نفسه محاورًا مقبولاً وأحيانًا مقدرًا، بين نظرائه، ولو أن ثمن ذلك كان انقلابًا جذريًا حيال دائنيه وانفصالاً عن الجناح اليساري في حكومته. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية في مقابلة مع صحيفة كاثيمريني اليونانية صباح أمس أشاد هولاند «بالشجاعة والبصيرة» لدى المسؤول اليوناني الشاب البالغ 41 عامًا. واعتبر المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي عبر إذاعة أوروبا 1، أن تسيبراس عرف «تحولاً» منذ وصوله إلى الحكم وأن «التعاون (الأوروبي) مع الحكومة اليونانية أصبح جيدًا جدًا» اليوم. لكن قبل ثلاثة أشهر شهدت العلاقات بين أثينا ودائنيها، أي الاتحاد الأوروبي والصندوق المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، توترًا حادًا كاد يخرجها من منطقة اليورو. ويبرز هولاند من بين الذين تمكنوا من التمسك باليونان، مقابل قبولها خطة مساعدة جديدة ذات قيود مشددة بقيمة 86 مليار يورو تنفذها البلاد بتفاصيلها تقريبا مذاك. وسيكون جدول أعمال الزيارة الفرنسية كثيفًا، وسيتطرق في أغلبيته إلى مدى تقدم الإصلاحات التي وعدت بها أثينا والجدول الزمني لتسليم دفعات المساعدات المقبلة (3 مليارات يورو ينبغي تسديدها قريبًا تدريجيًا) قبل بدء النقاشات في نوفمبر (تشرين الثاني) حول إعادة رسملة المصارف اليونانية الخاضعة منذ 29 يونيو (حزيران)، لمراقبة صارمة لرؤوس الأموال، ثم حول تقليص خدمة الدين اليوناني الهائل (قرابة 200 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي). وفي المقابلة مع كاثيمريني تحدث هولاند عن «جهد التصحيح» الذي ينبغي أن تتمسك به اليونان، مؤكدًا أنه «يمكنها الاعتماد على دعم فرنسا». ويرافق الرئيس الفرنسي وزير المال ميشال سابان ووزيرتا التعليم والثقافة نجاة فالو بلقاسم وفلور بيلران. وأضاف هولاند للصحيفة «أزور أثينا (...) لتوجيه رسالة إلى رجال الأعمال الفرنسيين: تعالوا، عودوا إلى اليونان». ويشكل تعزيز الاستثمارات الفرنسية في اليونان التي بدأت تستعيد ثقة الخارج أحد أهم أهداف الزيارة. وتشكل فرنسا المستثمر الأجنبي الرابع في اليونان، ويشغل فيها نحو مائة فرع لشركات فرنسية 12 ألف شخص ويبلغ حجم أعمالها التراكمي 3.1 مليارات يورو. كما سيتم التطرق إلى أزمة المهاجرين في الزيارة، بعد دخول أكثر من 500 ألف شخص أغلبهم من سوريا إلى أوروبا عبر اليونان هذا العام. وقد بدأت اليونان ودائنوها الدوليون، أول من أمس، محادثات لتقييم مدى التزام أثينا باتفاق الإنقاذ المالي الذي تبلغ قيمته 86 مليار يورو (98 مليار دولار) في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المعارضة على خلفية زيادات ضريبية وإصلاحات في نظام المعاشات. ويراجع رؤساء فرق من ثلاث مؤسسات أوروبية وصندوق النقد الدولي إصلاحات تبنتها أثينا في 16 أكتوبر (تشرين الأول)، وأبرز المحطات المستقبلية التي يجب أن تمر بها اليونان كي تتأهل للحصول على دفعة إنقاذ بثلاثة مليارات يورو. والمبلغ جزء من دفعة قرض مبدئي بقيمة 23 مليار يورو يشمل عشرة مليارات يورو دفعت بالفعل لليونان وعشرة مليارات يورو جرى تجنيبها لتغطية تكاليف إعادة رسملة البنوك. وقال مسؤول في الحكومة اليونانية إن الإصلاحات المالية وإصلاحات معاشات التقاعد وإعادة رسملة بنوك اليونان على جدول أعمال اجتماعات الوفود التي تعقد في أحد الفنادق بوسط العاصمة أثينا. وقال وزير المالية اليوناني يوكليد تساكالوتوس للصحافيين بعد اجتماع قصير في وقت سابق، أول من أمس: «إنه اجتماع تحضيري لاتخاذ قرار بشأن ما سنناقشه في اجتماعنا وكيفية مناقشته». وأقرت الحكومة اليسارية تشريعًا يرفع سن التقاعد ويزيد إسهامات المشتركين في نظام الرعاية الصحية ويلغي جميع مزايا التقاعد المبكر ويضيق الخناق على التهرب الضريبي. وتشمل المرحلة التالية فرض ضرائب على المزارعين وزيادة الضريبة على التعليم الخاص ودمج صناديق التقاعد؛ مما يعني مزيدًا من الاستقطاعات. ودعا موظفو الحكومة والقطاع الخاص إلى إضراب في أنحاء البلاد يوم 12 نوفمبر في أولى الإشارات على المعارضة الجماعية لحكومة رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس منذ انتخابها في يناير (كانون الثاني). ونظم العشرات من مرضى الشلل النصفي تظاهرة خارج البرلمان مطالبين بالإعفاء من أي استقطاعات. وقال نائب وزير المالية جورج هولياراكيس، أول من أمس، إن بلاده قد ترفع القيود الرأسمالية أوائل 2016 إذا ظلت البلاد مستقرة اقتصاديًا. وقال هولياراكيس لنواب البرلمان: «المتوقع هو أنه إذا ظلت البيئة الاقتصادية مستقرة يمكن رفع القيود الرأسمالية في الربع الأول من 2016». وفرضت اليونان قيودًا رأسمالية في يونيو للحيلولة دون نفاد السيولة النقدية في بنوكها وجرى تخفيف هذه القيود تدريجيًا لكن الجزء الأكبر منها ما زال قائمًا.