تحكي الأسطورة، أن جلجامش البطل القادم من جنوب العراق بحثا عن سر الخلود، عبر بحار الموت ووجد زيوسودرا في انتظاره على شاطئ دلمون ليخبره أن حياة الانسان عابرة ومقيدة، وكيف باح له بسر الخلود ودلّه على الأرض المقدسة حيث تنبت تلك الزهرة في قاع البحر قرب شواطئ أرض الحياة. ويغوص جلجامش في ماء عذب وسط البحر ويجد زهرة الخلود أو اللؤلؤة. وتذكر لنا الملحمة كيف ربط ثقلًا حول قدمه ليصل الى الأعماق، تماما كما يفعل الغواصون لالتقاط اللؤلؤ، ثم كيف عاد الى بلاده حاملا تلك الزهرة، وفي طريقه مر ببركة ماء أغراه صفاؤها وبرودتها، فخلع ملابسه ونزل ليستحم، فأزعج بفعله ذلك الثعبان النائم في القاع، فخرج الى السطح مهاجماً وحين رأى زهرة الخلود البراقة، أغرته بابتلاعها، فانسلخ جلده وتجدد عمره وكتب له الخلود. المنطقة الشرقية، هذه اللؤلؤة الخالدة في عقد الوطن، وهذا الشاطئ الجميل الذي تتفيأ رماله ظلال الذهب الأسود، وحكايات الغوص على اللؤلو، وصوت النهام ورقصة اليامال والهولو، وأشرعة الرحيل التي ترسم حزن "البحارة" المفارقين للأهل والأحباب. هنا، حط طائر الفينيق على سعفات النخل، بعد رحلة طويلة وشاقة من أرض الشام، وهنا بدأت حضارات واستيطانات علّمت البشرية الحروف والكتابة الأبجدية وركوب البحر وصناعة السفن واستخراج اللؤلؤ، وهو بمثابة النفط حالياً. هذه الأرض الخالدة تختزن في سجلاتها الكثير من التاريخ والأحداث والقصص. هنا حضارة العبديين والسومريين وديلمون وقبائل بكر بن وائل وتميم بن مرة وعبدالقيس بن أفصي والقرامطة والعيونيين والعصفوريين والجبريين والعثمانيين والأتراك والبرتغاليين والإنجليز. هنا، مازالت الحكايات الملهمة بعبق التاريخ القديم تروي ظمأ كل تلك السنين الموغلة في عمق الحضارات الإنسانية التي كتبت اسمها في سجلات الخالدين. وقد عُرف عن المنطقة الشرقية، بواحتيها القطيف والاحساء ومدينتيها الدمام والخبر وبقية المحافظات والمدن والقرى، إيمانها وممارستها للتنوع والتعدد بمختلف أشكاله ومستوياته. تنوع جغرافي وطبيعي، إذ تمتد 700 كلم على ساحل الخليج ما أكسبها تميزاً وجذباً مهماً وجعلها حلقة اتصال ما بين العالم الخارجي، وكذلك واحاتها الغنّاء المثمرة، إضافة إلى الصحراء التي تُشكّل جزءا كبيراً من مساحتها. تنوع تاريخي، حيث كانت موئل الحضارات ومحطة فارقة في تنوع الاستيطان البشري، وحفل سجلها التاريخي بالكثير من الأحداث والتحولات الكبرى. تنوع فكري، حيث عرفت هذه المنطقة ألواناً متعددة من الديانات والمعتقدات والمذاهب والثقافات والأفكار. تنوع اقتصادي، حيث اشتهرت بالزراعة والصناعة والصيد وصناعة السفن وبيع اللؤلؤ، والنفط الذي شكل ثروة الوطن وجعلها من أكبر اقتصادات العالم. المنطقة الشرقية، وخلال تاريخها الطويل والحافل، جعلها قبلة التسامح الفكري وأيقونة التعايش المجتمعي ورمزاً للاندماج الوطني، مرت في الأسبوعين الماضيين بتجربتين متناقضتين، ولكن هذه المرة من خلال كرة القدم، هذه اللعبة المثيرة التي أصبحت حديث العالم. هبوط نادي الاتفاق بالدمام وصعود نادي الخليج بسيهات. هما الحدثان المهمان هنا في الساحل الشرقي، وقد نتج عن ذلك الكثير من التداعيات والإفرازات. نادي الاتفاق الذي تأسس عام 1944، وبعد 37 عاماً من الأضواء والشهرة والعديد من الإنجازات المحلية والعربية، يسقط في زوايا الظل والنسيان، وفي المقابل يصعد الخليج إلى سماء المجد والشهرة، وهو الذي تأسس في عام 1945، وسبق له المرور سريعاً بالدوري الممتاز في عامي 2004، 2007. لقد شكل هبوط الاتفاق صدمة وخيبة ولوعة، ولكنه زاد من منسوب الاهتمام والالتفاف والعشق لهذا الكيان الرياضي المهم، ليس من أبناء المنطقة الشرقية وحسب ولكن من كل أجزاء الوطن. وفي المقابل، سجلت أفراح الصعود بنادي الخليج ملحمة وطنية كبرى شارك فيها كل أبناء المنطقة بمختلف انتماءاتهم وخلفياتهم، حيث شكل هذا الصعود الجميل صعوداً عالياً في الحس الوطني لدى كل مكونات وشرائح المجتمع الشرقاوي، بل والوطني. ما حدث للاتفاق من كبوة، وللخليج من صعود، شكل حالة اندماج وتكامل وتلاحم مجتمعي، وأضاف جرعة زائدة من المحبة والألفة والتسامح الذي اشتهرت به هذه المنطقة.