يحرص العديد من الإدارات الحكومية والخاصة على تهيئة أجواء الاستقرار النفسي للموظفين ومساعدتهم على العمل في أجواء وظيفية ايجابية، الأمر الذي يساعدهم على الإبداع والتطور والعمل بروح الفريق الواحد، بيد أن وجود بعض الموظفين ذوي المشاعر السلبية قد يؤدي إلى عرقلة تلك الجهود، خصوصاً حينما يحاولون نقل مشاعرهم تلك إلى زملائهم الآخرين، فنجد أنهم حينها يحاولون التأثير عليهم بشكل سلبي، بل إن منهم من يردد أمام زملائه تلك الجملة المُحبطة "اشتغلت أو ما اشتغلت.. راتبك ما يزيد"؛ مما قد يُلقي بظلاله على نفسية الموظف المتميز ويجعل الإحباط يتسلل إلى نفسه شيئاً فشيئاً. وأشارت إحدى الدراسات العلمية في هذا المجال إلى أن الموظف المُتذمر يؤثر سلباً في جو العمل العام، كما أن مشاعره السلبية تنتقل بدورها إلى بقية الموظفين، وأشارت الدراسة إلى أن هذا النوع من الموظفين بإمكانه امتصاص طاقة زملائه الموظفين بمجرد إطلاقه بضع كلمات سلبية، كما أن تعليقاتهم السلبية تطال حتى الأخبار الجيدة فمزاجهم المتعكر ينتقل كالعدوى لزملائهم فيتعكر مزاجهم تباعاً. ولكي نُحقق مناخاً جيداً يضمن عدم وجود موظفين سلبيين يؤثرون على زملائهم المتميزين، لابد من توفير حوافز معنوية ومادية مناسبة تؤدي إلى زيادة الرضا، مما يُحقق التوازن ويُوقد الحماس بين العاملين وبالتالي زيادة ارتفاع معدلات الإنتاج. وظيفة إدارية وقال "فهد العبدالكريم" -موظف- :"تخرجت من جامعة الملك عبدالعزيز بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى تخصص إدارة عامة، وكنت حينها على درجة عالية من الحماس والجدية، وحصلت آنذاك على وظيفة إدارية في إحدى الجهات الحكومية، وكنت حينها شاباً منضبطاً وطموحاً أتوق للحصول على الحوافز التشجيعية التي تزيد من حماسي وتحفزني لتقديم مزيد من الجهد، إلاّ أن الإحباط بدأ يتسلل إلى نفسي منذ الشهر الأول لاستلامي الوظيفة". وأضاف أن الإحباط كان نتيجة عدم تقدير رؤسائه لجهوده الكبيرة التي كان يبذلها في مجال عمله، موضحاً أن جميع الموظفين كانوا يُعاملون بطريقة واحدة دون أن يكون الأساس في ذلك هو الجهد المبذول، مشيراً إلى أن ذلك علمه أن يعيش يومه مثل البقية؛ لأن المستوى واحد والراتب واحد. وأيده الرأي "ماجد العتيبي" -موظف-، مضيفاً أن الجو العام في الوظائف الحكومية جعله يشعر أن الراتب لن يتأثر بالجهد الذي يبذله الموظف سلباً أو إيجاباً، مشيراً إلى أن بعض الموظفين يجعلون هذا الشعور يتسلل شيئاً فشيئاً إلى أنفس زملائهم في العمل، الأمر الذي يجعلهم يُصابون بالإحباط، لافتاً إلى أن هذه النظرة من الممكن أن تقتل روح الحماسة والإخلاص في العمل لدى بعض الموظفين، خصوصاً من هم حديثي عهد بالوظيفة. صناعة النجاح وأشار "خضران الزهراني" -عضو الهيئة الإدارية بمعهد الإدارة العامة بالدمام- إلى أن الحاجة تدعو لوجود تنمية شاملة للوطن يكون المواطن فيها مؤهلاً تأهيلاً ذكياً لقيادة التنمية، مضيفاً أن ثقافة التشجيع والتحفيز في المجتمعات النامية تكاد تكون منعدمة، مؤكداً على أن التشجيع والتحفيز عاملان مهمان جداً لصناعة النجاح، مبيناً أن الموظف هو جزء من المجتمع يتأثر بثقافته، وبالتالي فإن ثقافة التحفيز والتشجيع بين أفراد المجتمع على جانب كبير من الأهمية، داعياً الإدارات الإدارية إلى جعل ثقافة التشجيع سائدة بين أفرادها لتحقيق أهدافها المرجوة. وأضاف أن أسلوب "التحطيم" قد يكون عائداً إلى الحسد والغيرة بين الموظفين، وبالتالي فإن الموظف المبدع قد يجد من يُحطمه؛ لكي يقل إبداعه وتميزه، مشيراً إلى أن من الآليات الرائعة في تحفيز الموظفين هي خلق أجواء الإخاء والصفاء بين أفراد المجموعة عن طريق الإدارة العليا، موضحاً أن المسؤول حينما يكون قريباً من موظفيه ويتمتع بذكاء عاطفي جاذب، فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على أفراد الإدارة، وبالتالي تحقق الإدارة أهدافها وخططها الإستراتيجية. دورات تدريبية وبين "الزهراني" أن من بين تلك الآليات أيضاً إلحاق الموظفين بالدورات التدريبية التي تهتم بالسلوكيات وواجبات الوظيفة العامة، إلى جانب إلحاقهم ببرامج الإبداع والتفكير المتميز، وكذلك تمكين المتميز من المناصب الإدارية، موضحاً أن القطاع الحكومي لا يهتم بمنح الموظف الحوافز المادية اللازمة وليس أمامه في هذه الحالة إلاّ الراتب فقط، بينما يوجد أمام موظف القطاع الخاص العديد من الحوافز التي تعينه على التميز والوصول السهل إلى المناصب القيادية، لافتاً إلى أن الشهادات العليا يجب أن لا تكون مقياساً للموظف القيادي، إذ إن التوجه الجديد في الإدارات الحديثة هو الاعتماد على المهارات والذكاء العاطفي والاجتماعي للموظف. تدوير الموظفين وأوضح "محمد بن عبدالعزيز الصفيان" -مدير عام العلاقات العامة والإعلام بأمانة المنطقة الشرقية- أن إدارات التطوير والتدريب في المنشآت الحكومية بشكل عام تهدف إلى الارتقاء بمنسوبيها والاهتمام بتطويرهم، مشدداً على أهمية تدوير الموظفين بين الأقسام ومعرفة المتميز منهم والتركيز عليه والرفع من مستواه وأدائه الوظيفي، لافتاً إلى أن ذلك من الممكن أن يكشف الموظف المتقاعس والمحبط لزملائه، وبالتالي البحث عن حلول إدارية لتنمية مهاراته وإلغاء الفكر السلبي لديه؛ لكي يكون عضواً منتجاً في إدارته. وأكد على أن القطاع الخاص يتميز عن القطاع الحكومي بوجود الحوافز المادية، ومن ذلك إعطاء الموظف نسبة من أرباح الشركة، إلى جانب منحه بدل السكن والتأمين الصحي له ولمن يعول، وكذلك تهيئته لأن يكون قيادياً في المستقبل، موضحاً أن تلك الحوافز تخلق بيئة تنافسية بين الموظفين وتجعلهم أكثر إنتاجاً وعطاء في العمل، مشيراً إلى أن تقرير الأداء الوظيفي يقوّم عمل الموظف في نهاية العام من النواحي الوظيفية والسلوكية؛ بهدف معرفة مواطن القوة والضعف لدى الموظفين في المجالات التي لها علاقة بالعمل؛ من أجل تنميتها أو تحسينها بالتدريب، ووضع الموظف المناسب في المكان المناسب، وإعطاء الحوافز لمن يستحقها. العلاوة السنوية ولفت "صالح الغامدي" -خبير في الموارد البشرية- إلى أن هناك إحباطًا وتقاعسًا مستشرياً في أوساط العديد من الموظفين في القطاعات الحكومية، مشيراً إلى أنه من المؤسف أن نجد عددًا من الموظفين لديهم نفس المهام المطلوب منهم تأديتها، موضحاً أنه في الوقت الذي يؤدي فيه البعض هذه المهام بشكل إيجابي وبروح الفريق الواحد، فإن آخرين يؤدونها بكل تهاون، في ظل كونهم غير منضبطين ولا منتجين، ومع ذلك ينال الفريقين العلاوة نفسها في نهاية العام، مؤكداً على أن ذلك يعد السبب الرئيس في تدمر بيئة العمل وقتل روح الإبداع لدى كل مخلص. وأشار إلى أنه لو تم ربط العلاوة السنوية بأداء وإنتاجية الموظف، فإننا سنجد الإبداع من الجميع، إلى جانب أن من لم يوفق في الحصول على علاوة مرضية نتيجة تدني أداءه وانضباطه، فإنه سوف يغير من سلوكه، بل إنه سيبحث عن السبب وراء حصوله على علاوة تقل عن زملائه، وعندها فإنه من الطبيعي أن تتحسن الصورة والأداء. وأضاف أن الأثر على أي دائرة نتيجة المساواة في العطاء بغض النظر عن إنتاجية الموظفين سوف يقود إلى الإحباط، موضحاً أن ذلك سيقتل روح الإخلاص عند الموظف الجيد؛ لأن الإنسان بطبيعته يكره الظلم، وهو ما سيفسره كل موظف يجد نفسه في نهاية كل عام يحصل على العلاوة نفسها التي حصل عليها الموظف قليل الإنتاج، مؤكداً على أن العيب في ذلك كله يعود للنظام المطبق، مشيراً إلى أنه من غير المنطق أن نلوم الموظف على عدم العطاء وهو يجد نفسه مع كل علاوة يتساوى مع من لا ينتج. اختلافات جوهرية وعرَّف "د. محمد خيري الشيخ" -خبير اقتصادي وباحث في الشؤون الاقتصادية الخليجية- الاجتهاد بأنه أداء الموظف لعملة بكل إخلاص وإتقان واضعاً مخافة الله -عز وجل- نصب عينيه باذلاً جهده لما فيه مصلحة وطنه ومنظمته التي يعمل بها، سواءً كان ذلك في القطاع الحكومي أو الخاص، مضيفاً أن هناك تشابهاً بين القطاعين فيما يتعلق بحصول الموظف على راتبه في نهاية الشهر، بيد أن الاختلافات الجوهرية بين القطاعين تكون في آلية تعيين الموظف في القطاع الحكومي عنه في القطاع الخاص، موضحاً أن لكل قطاع إجراءات خاصة في تعيين الموظف، إلا أنها تكون أكثر دقة في القطاع الخاص. وأضاف أن هدف القطاع الخاص هو الربحية، بينما يكون تقديم الخدمة هو الهدف الأساسي في القطاع الحكومي، موضحاً أن ذلك يجعل موظف القطاع الخاص يشعر بالقلق خشية ظهور أي تقصير منه في هذا الجانب قد يؤدي بالتالي إلى الاستغناء عن خدماته أو عدم صرف أي مكافأة له، مشيراً إلى أن درجة الأمان الوظيفي تكون أعلى نسبياً في القطاع الحكومي منه في القطاع الخاص، بيد أن المساءلة والرقابة تكون موجودة، مبيناً أن الإدارات العاملة في القطاع الأهلي عادة ما تربط المكافأة بتحقيق الأرباح، وذلك حسب حجم وطبيعة عمل الإدارة وبناءً على الكادر البشري الذي يعمل بها. ضغوط العمل وأكد "الشيخ" على أن ذلك لا يعني أن القطاع الحكومي لا يُحفز ولا يكافئ الموظف المتميز، موضحاً أن نظام الحوافز والمكافآت منصوص عليه في لوائح "وزارة الخدمة المدنية" في كل دولة، مشيراً إلى أن الإدارات الواعية بمدى الآثار السلبية لضغوط العمل وإيجابيات انتماء الأفراد لها تولى هذه النواحي الاهتمام الذي تستحقه؛ لكي يكون أفرادها مصدر قوة، وليتمكنوا من أداء أعمالهم بفاعلية وكفاءة عالية، لافتاً إلى أن دراسة ضغوط العمل تمنح رؤية أفضل تساعد في تحديد الحوافز التي تكفل استمرارية الأداء الفاعل للعاملين فيها. وبين أن ضغوط العمل ومصادره وآثاره على العاملين في الإدارات المختلفة أصبحت تشكل ظاهرة عامة لا يمكن تجنبها، مضيفاً أن تأثيرها يشمل كل الإدارات الخاصة والعامة والعاملين فيها، سواءً كانوا رؤساء أو مرؤوسين ولكن بدرجات متفاوتة، مشيراً إلى أن مفهوم الولاء التنظيمي هو سلوك يُعبِّر الفرد من خلاله عن مدى التزامه بعمله وحبه وتقديره لهذا العمل وارتباطه به، مؤكداً على أنه كلما ازداد الولاء التنظيمي انخفض معدل دوران العمل ونسبة الغياب، إلى جانب المساهمة في الحد من مشكلة التأخر عن الدوام وتحسن الأداء الوظيفي. وأشار إلى أن الموظفين ذوي الولاء التنظيمي المرتفع يشعرون حينها بدرجة عالية من الرضا والسعادة خارج العمل، وبمستوى عال من الارتباط العائلي، لافتاً إلى أن من العوامل المساعدة والمؤثرة في تنمية الولاء التنظيمي تطبيق أنظمة مناسبة من الحوافز، موضحاً أن المناخ الوظيفي الجيد يتطلب توفير حوافز معنوية ومادية مناسبة تؤدي إلى زيادة الرضا، وبالتالي زيادة الولاء وارتفاع معدلات الإنتاج وتقليل التكاليف والمساعدة في إشباع الحاجات الإنسانية للعاملين. وأضاف أن ذلك يتم عبر العمل على تبني سياسات داخلية تساعد على إشباع حاجات الأفراد العاملين في التنظيم وتحقيق التوازن؛ مما يولد لديهم الشعور بالرضا والاطمئنان والانتماء، ومن ثم الولاء التنظيمي ووضوح الأهداف، مشيراً إلى أنه كلما كانت الأهداف واضحة، كانت عملية إدراك وفهم الأفراد للولاء وللإدارة أكبر، وكلما كانت العمليات التنظيمية ووظائف الإدارة واضحة، أدى ذلك إلى زيادة الولاء التنظيمي والإخلاص والانتماء للتنظيم.