خالد بن عبدالعزيز المنديلي أحد أبناء حائل، أتم فيها شهاداته، الابتدائية والمتوسطة، قبل أن ينتقل للمدينة المنورة مع والده ومثله الأعلى الذي يعمل طبيباً جراحاً، ولطالما حلم أن يكون طبيباً مثله. الحلم الذي وجد ضالته لتحقيقه في الابتعاث إلى كندا. التزم خالد الطرق المثلى للوصول لأهدافه، من جدٍ واجتهاد ليتشرف به وطنٌ وثق فيه وابتعثه، وأسرةٌ بذلت من أجله الغالي والنفيس حتى يكون على قدرٍ من المسؤولية والأخلاق الرفيعة. وقبل شهرين من تحقق حلم التخرج من كلية الجراحة (بتورنتو) وحمل اللقب، بدأت نوبات صداعٍ تدهم رأس خالد، ورغم أنه طبيب إلا أنه فسرها بأنها قد تعود لنقصٍ في التغذية حتى لا يستسلم لأفكار قد تعطله، لكن تطورت حالات الصداع فأصبحت مصحوبة بتشنج، فتجاهل الأمر من جديد، وأرجعها للصداع النصفي بسبب ضعف النظر وإجهاد الدراسة، وواصل طريقه، لكن الأمر خرج عن سيطرته حين ألزمته الجامعة؛ إثر نوبة تشنج دهمته في المحاضرة بإحضار تقرير طبي فوراً.. التقرير الذي أفاد بأنه مصاب بسرطان الدماغ. إنه داء العصر الذي دفع خالد أن يعتزل الناس لأيام قبل أن يقرر العودة لأسرته. وهو بينهم لم يشأ أن يفسد فرحتهم بقرب تخرجه، وبالأخص والدته التي تنتظر تخرجه لتفرح به عريساً وتباهي به أمهات الكون، لكن نوبة تشنج جديدة فضحت أمره واضطر لإخبارهم متظاهراً بالتماسك أمام هلع والديه، ثم قرر العودة لكندا ليواصل تحقيق حلمه التعليمي ويبدأ رحلة علاجه. لكن الأمور تطورت أسرع مما كان يظن، ودخل في غيبوبة لعدة أشهر أفاق منها فاقداً النطق والحركة والذاكرة، نتيجة أخذ خزعة من منطقة حساسة في الدماغ. بعد معاناةٍ في رحلة البحث عن الذاكرة المفقودة، وفقدانه للنطق، وجلوسه على الكرسيّ المتحرك، بدأت تعود إليه ذاكرته شيئاً فشيئاً، وبدأت أصابعه تتحرك ليجد نفسه مضطراً للكتابة لأنه فقد حاسة النطق التي يتوقع الأطباء أنها لن تعود. وبين جلسات الكيماوي الحارقه وتأمل سقف غرفته في المستشفى لأشهر، بدأ خالد الذي تأسرك ابتسامته وكتاباته المتفائله يبث الأمل والسعادة في كثير من أتباعه عبر تويتر، وهو الذي واجه مضاعفات جمة آخرها زراعة قلب صناعي يعيش به بسبب إجهاد العلاج الكيماوي لقلبه الصابر. خالد الذي لاحقته لأسابيع متواصله حتى يقبل أن يسمعني صوت أحرفه المكتوبه، قلت له: علمني بالله عليك كيف تحافظ على هذا القدر من التفاؤل والصبر وأنت تعاني كل هذه الظروف والأقدار؟ فكتب لي: يتملكني رضا بقضاء الله وقدره، وإيمان أن ما أصابني خيرٌ لي لا أعلمه، وأنني في حال أفضل بكثير من غيري. خالد الذي لا يقبض بين يديه على شيء من أسباب التفاؤل سوى ثقته ربه، أكمل دراسته بعدما قدرت جامعته أحواله الصحيه؛ لتساعده على تحقيق حلمه، وحصل على اللقب الذي أنتظره من الطفوله، ليصبح اليوم (الدكتور خالد المنديلي) وقرر أن يفرغ حياته ليبث الأمل في الآخرين، رافضاً كل نظرات الشفقة في أعين الناس. وأحسب أنه لا يليق بأحدنا الشكوى بعد اليوم وهو أمامنا، جبلاً جديداً يطاول جبال الوطن، شامخاً يطل من سمائه على آلامنا الصغيرة التي نترنح تحت وخزها الخفيف، ولا نجيد سوى الشكوى والتضجر من أقدار الله. لمشاهدة الصور من مدونة الكاتب، اضغط هنا http://mofeedsaad.blogspot.com رابط الخبر بصحيفة الوئام: خالد المنديلي.. صمتك أجمل من أحاديثنا