حين كنا على مقاعد الدراسة في جامعة الملك سعود في الطفرة الاقتصادية الأولى للمملكة كنا في مبانٍ مستأجرة وغير تعليمية. كان أساتذة الجامعة يقولون لنا «هي سنوات قلائل وننتقل إلى المدينة الجامعية بالدرعية» التي أُقيمت على أرض تبرع بها - فيما أعتقد - الملك خالد يرحمه الله وسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد - يحفظه الله. أنا هنا أكتب من الذاكرة التاريخية، وكان من أساتذتنا بالجامعة الدكتور سعد الراشد - متعه الله بالصحة والعافية - حينها كان شاباً أنيقاً ممتلئاً بالحيوية والطموح والمشاعر الوطنية الصادقة. كان يقول لنا: قريباً ننتقل إلى المدينة الجامعية فالقاعات بنيت بمواصفات تعليمية، وسيكون لكم - أي الطلاب - صالات ومدينة رياضية ومواقف للسيارات وقاعات واسعة ومكتبات متعددة ومختبرات ومراكز للترفيه وخدمات الطالب, وسوف يكون لكم مستشفى - يقصد مستشفى الملك خالد الجامعي - تتلقون فيه الرعاية الطبية». كان د. سعد الراشد يرسم صورة جميلة لبلادنا كما يراها ويأمل أن تكون، وهي كذلك، فبلادنا تغيّرت إلى صورة معمارية أكثر من تطلعنا في ذلك الزمن المبكر في الثمانينيات الميلادية ونهاية قرن هجري حافل بالعطاء، بُنيت فيه بلادنا بناء حضارياً ومعمارياً، لم يكن يتخيله جيلنا الذي تدفق للرياض من أرياف وقرى ومدن بعيدة. كانت جامعة الملك سعود حينها نموذجاً فريداً في فكرة المدن الجامعية، واليوم بعد أكثر من ربع قرن أصبح لنا (16) مدينة جامعية، وقد تصل إلى (30) مدينة جامعية مع التوجُّه إلى إنشاء مدن جامعية لكل جامعة. أصبح مستشفى الملك خالد الجامعي هو المستشفى الوحيد الذي استوعب المرضى والمراجعين لشمال مدينة الرياض بل لمعظم سكان المملكة، وأنا هنا لا أقصد المقارنة بين الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي (الجامعات السعودية)، وإن كان يجب وضع المقارنة من أجل التحفيز بين قطاعات الدولة والتسابق لخدمة المواطن، لكن مستشفى الملك خالد وفي كل زيارة لأحد الأقارب والأصدقاء أشعر تجاهه بالفخر؛ إذ بُني كمستشفى تعليمي، وتحول إلى خيار مفضل للعديد من المرضى لوجود أطباء متميزين هم أساساً من طلاب الجامعة المتفوقين الذين تحصلوا على إعادة وابتعاث في جميع التخصصات الطبية، وتلقوا دراسات عليا وتدريباً في جامعات عالمية مشهورة في التفوق الطبي، وعادوا ليصبحوا أعضاء هيئة تدريس وأطباء معالجين في التخصصات الصعبة والمعقدة طبياً. مستشفى الملك خالد الجامعي لا يحتاج إلى شهادة، مثله مثل المستشفى التخصصي والعسكري وقوى الأمن والحرس الوطني، التي تتلقى ميزانيات ضخمة من الدولة عبر وزاراتها. لكن مستشفى الملك خالد بعد أن توسعت جامعة الملك سعود، وتحولت إلى أكثر من مدينة: المدينة الأكاديمية التعليمية، ومدينة مستشفى الملك خالد الطبية وطب الأسنان، ومدينة البحوث والاستثمارات الاقتصادية.. هذا التوسع في الخدمات في الجامعة قد يؤثر في مستشفى الملك خالد؛ إذ أصبح وسط غابات من عمائر الكليات والإسكان والأبحاث. وهنا لا بد أن تتدخل وزارة المالية لتخصيص مبالغ مالية إضافية من الفائض والعوائد النفطية لدعم المستشفى في مرحلته الثانية من الطفرة الاقتصادية الحالية؛ لأنه يشكّل محوراً طبياً للعلاج وتخريج الأطباء من كليات الجامعة الطبية.