من المثير للاستغراب أن تتزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية والعصبية وتطفو إلى سطح المجتمع من خلال الحوادث المؤسفة التي يرتكبها المصابون بهذه الأمراض في الوقت الذي يتضح من تقرير الهيئة العليا للرياض، حسب جريدة الحياة في عددها ليوم الخميس الماضي، أن مشروع إنشاء مستشفى للأمراض النفسية بالرياض بسعة 500 سرير قد تعثر بسبب عدم العثور على أرض مناسبة!. مدينة الرياض العاصمة الهائلة التي وصل تعداد سكانها خمسة ملايين وسبعمائة ألف نسمة وتمتد على مساحة جغرافية كبيرة جداً ويتواصل زحفها في كل الجهات وترتفع في سمائها البنايات العملاقة عاجزة عن توفير مساحة أرض لمستشفى يحتضن فئة قسا عليها الزمن والتقاليد والخرافات التي ما زالت تتعامل مع هؤلاء المرضى على أنهم مجانين يقيدون بالسلاسل!. خلال الأسابيع القليلة الماضية نشرت الصحف ووسائل الإعلام الأخرى العديد من قصص المرضى النفسيين والعصبيين الهائمين على وجوههم في شوارع الرياض وغيرها من مدن المملكة. هؤلاء المرضى الذين يؤذون أنفسهم ويؤذون غيرهم لأنهم لا يتلقون الرعاية الطبية المناسبة والكافية ولا تستطيع عائلاتهم أن تسيطر عليهم، فينطلقون إلى الشوارع ويختلطون مع الناس وتبدر منهم تصرفات تصل أحياناً إلى القتل.. وما زال المجتمع يتذكّر الحادثة المأسوية التي وقعت مؤخراً لبائع في إحدى البقالات عندما سحبه أحد المرضى النفسيين من بقالته وطعنه حتى الموت في الشارع العام ولم يتمكن أحدٌ من إنقاذه. هؤلاء المرضى النفسيون بأمسّ الحاجة إلى العلاج والرعاية بشكل مستديم، لكن ما يحدث هو أنهم عندما يراجعون المراكز والعيادات والمستشفيات المتخصصة في العلاج النفسي والعصبي يحصلون على رعاية مؤقتة - في أحسن الأحوال - وعندما تتحسن حالتهم تتوقف الرعاية وينقطع العلاج، وفي أغلب الحالات لا يجدون حتى الرعاية المؤقتة، وكل ذلك بسبب عدم وجود مستشفيات ومراكز بأعداد وبِسِعة كافية. من المحزن جداً أن الأموال يتم رصدها لإنشاء مستشفيات نفسية جديدة وتوسيع القائمة، ثم تتعثر هذه المشاريع بسبب عدم وجود أراضٍ لإقامتها!.. مَنْ يستطيع تصديق أو استيعاب أن هذا يحدث في بلاد شاسعة مثل المملكة وفي مدينة هائلة كالرياض، حيث يستطيع حتى الأعمى أن يرى المساحات الكبيرة من الأراضي البيضاء المحتكرة والمعطلة!. ما ينطبق على مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية ينطبق على المستشفيات الأخرى وعلى المشاريع الحكومية المتعثرة في العديد من القطاعات، وبخاصة التعليم.. ولا علاج إلا بتدخل واضح وحازم من الحكومة وعدم ترك الأمر لمن يتربحون من خلق الشح المزعوم في الأراضي.