لندن: محمد الشافعي أبدت جماعة الإخوان المسلمين أمس استعدادها للتعاون «مع كل الجهود للوقوف على منهاجها ومواقفها»، مستنكرة ما قالت إنه «حملات إعلامية تحاول الإساءة إلى الجماعة ومحاولة ربطها بأحداث العنف»، وذلك في رد فعل أولي على أنباء التحقيقات التي تجريها السلطات البريطانية حول أنشطة الجماعة على أراضيها. وأصدرت الجماعة بيانا أمس قالت فيه إنها «تبدي كامل استعدادها للتعاون مع كل الجهود للوقوف على منهاجها ومواقفها.. كما تبدي استنكارها وإدانتها لكل الحملات الإعلامية التي تحاول الإساءة إلى الجماعة، ومحاولة ربطها بأحداث عنف أدانتها الجماعة بصراحة ووضوح في حينها، وآخرها حادث الهجوم على الحافلة السياحية الذي وقع في طابا في شهر فبراير (شباط) الماضي». ونوهت الجماعة بدهشتها من تلك المزاعم، نظرا لأن السلطات المصرية «لم تستطع توجيه الاتهام إلى الجماعة بالوقوف وراء هذا الحادث، واتهمت غيرها، الذي اعترف بمسؤوليته عن الحادث»، بحسب ما جاء في البيان، مشددة على «سلمية نهجها في الدعوة إلى مبادئها». وأشار البيان الصادر عن الجماعة إلى أن «مما أثار دهشتنا أن الإدارات البريطانية المتعاقبة كانت دوما من أخبر الجهات عن مواقف الجماعة وسلمية منهجها.. والتي لم ولن تغير من مبادئها ومنهاج عملها حتى يومنا هذا مهما اتسعت رقعتها وانتشر فكرها، على الرغم من كل ما تواجه به من إيذاء وظلم». كما أوضحت أن «فكر الجماعة التي دأبت على نشره وتربية أعضائها عليه على مدى أكثر من ثمانين عاما في بقاع الأرض المختلفة من شرقها إلى غربها هو فكر منشور ومعلن منذ عشرات السنين، بل وخضع للدراسة والبحث من قبل الكثير من المفكرين والباحثين المسلمين وغير المسلمين ومراكز البحث والدراسة، وانتهت جميعها إلى سلمية منهج الجماعة وابتعاده عن أي صورة من صور العنف». وأكد البيان أنه «بشأن وجود عدد من أعضاء الجماعة على الأراضي البريطانية، فإننا نؤكد على أن أفراد الإخوان المسلمين الذين خرجوا من أقطارهم، والموجودين ليس فقط في بريطانيا، بل وفي دول العالم المختلفة، تلتزم جيدا بتنظيم وقوانين البلاد التي يعيشون فيها كعقد شرعي لا يمكن نقضه». في المقابل قال الشيخ إبراهيم منير مسؤول التنظيم العالمي للإخوان في الغرب إن تحقيقات بريطانيا حول الإخوان المسلمين لن تدين الجماعة، معربا عن أسفه إزاء قبول الدولة الديمقراطية لضغوط مصرية تتهم الإخوان بالإرهاب». وفي اتصال هاتفي من مقر إقامته في العاصمة البريطانية، أوضح منير لـ«الشرق الأوسط» أنه فوجئ بالإعلان البريطاني عن إجراء تحقيقات عاجلة حول الدور الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمين انطلاقا من الأراضي البريطانية، ومدى ارتباط تنظيم الإخوان بأعمال العنف والتطرف، وقال: «أعتقد أن وراء ذلك ضغوطا من القائمين على الحكم في مصر ومناصريهم»، مؤكدا أن فكر الجماعة معروف عند البريطانيين منذ نحو 80 عاما، وأن فكر الإخوان يقوم على السلمية، ونبذ العنف. واعترف منير بأن أي دولة في العالم من حقها أن تتحرى عن الذين يقيمون على أراضيها، رغم علم البريطانيين مسبقا بأن الإخوان في أي مكان في العالم يحترمون تماما نظم وقوانين البلاد التي يقيمون فيها، وأكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «نحن جماعة تنبذ العنف، ولا ندعم أي أعمال من شأنها الإضرار بالأمن القومي للبلاد». وقال إن التحريات لن تأتي بجديد عما هو موجود لدى الحكومة البريطانية، ووزارة الداخلية بها». وبين أن «من حق السلطات البريطانية أن تتخذ احتياطاتها للحفاظ على أمنها القومي، ولكن نحن نثق أنها لن تتوصل إلى شيء يدين الإخوان». ونفى منير في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أن تكون السلطات البريطانية أو أجهزة الاستخبارات التابعة لها استدعت أحدا من قيادات التنظيم العالمي للتحقيق. وأكد ردا على سؤال آخر أنه لا يعرف شخصيا عدد أبناء الجماعة المقيمين في الغرب أو بريطانيا، مشيرا إلى أن هناك إخوانا من كل الدول العربية والإسلامية، وكذلك هناك إخوان من البريطانيين أنفسهم، ولكنه لا يعرف إجمالي عددهم. وحول إمكانية إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية في بريطانيا، قال أمين التنظيم العالمي للإخوان: «هذه دولة ديمقراطية، ولن تتخذ هذا القرار من فراغ، ولن تتخذه إلا بعد تعمق كبير وثبوت إدانة ضد الجماعة، وهو ما لن يحدث». واستبعد منير مغادرة قيادات الجماعة في بريطانيا إلى دولة أخرى، مؤكدا: «نحن نعيش منذ سنوات في دولة ذات قانون وحقوق إنسان، حتى لمن لم يحمل جنسيتها، وبالتالي فلا نية لدينا الآن لمغادرة البلاد التي ننعم فيها بالحرية». من ناحيته قال الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون التحقيقات عن أنشطة الإخوان مثل توصيات بريطانية سابقة بحظر حزب التحرير منذ سنوات، ولكن الحكومة البريطانية تراجعت عن ذلك لاحقا؛ خشية من دفع الإسلاميين إلى العمل تحت الأرض أو العمل السري، مع ظهور موجة عداء جديدة في الشارع البريطاني». وقال د. السباعي إن «جماعة الإخوان لها أنشطة في أكثر من 80 دولة حول العالم، وأعتقد أن بريطانيا لا تريد أن تكون مصالحها مهددة حول العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومة البريطانية لها علاقات مع الإخوان مثل المغرب وتونس، وكذلك الإخوان موجودون في دول مثل باكستان وماليزيا وإندونيسا». وأعرب السباعي الإسلامي المصري عن اعتقاده بأن التحقيقات حول أنشطة الإخوان ستحفظ في وقت لاحق». من جهته قال ياسر السري (أبو عمار المصري) مدير المرصد الإسلامي في بريطانيا، وهي هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، أن أبناء جماعة الإخوان والإسلاميين الذين يقيمون في بريطانيا يحترمون قوانين البلاد التي يقيمون فيها كعقد شرعي واجب النفاذ، ولا يمكن نقضه، أما بالنسبة لقرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون آمرا بإجراء تقييم بشأن فلسفة جماعة الإخوان المسلمين ونشاطاتها في بريطانيا، فهذا من حقه، بموجب أن القانون فوق رأس الجميع، مشيرا إلى أن التحقيقات ستكون من المدخل القانوني كإجراء، وليس بالموجب السياسي، معتبرا أن لندن تعرضت لضغوط خارجية لإجراء تقييم حول أنشطة الإخوان في بريطانيا. وأعرب الإسلامي المصري عن اعتقاده بأن التحقيقات البريطانية لن تؤدي إلى إدانة أحد من إخوان الغرب، أو حظر الجماعة في بريطانيا. وتحدث السري عن حادث الهجوم على الحافلة السياحية في سيناء، الذي أدى إلى مقتل ثلاثة بريطانيين في فبراير الماضي، وقال إن «جماعة أنصار بيت المقدس» أعلنت مسؤوليتها عن العملية في حينه. وفي ذات السياق، قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية في تقرير نشرته اليوم على موقعها الإلكتروني إن «السير كيم كاروتش مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي بدأ بالفعل العمل على هذه المراجعة، وأن السير جون ساويرز رئيس المخابرات سيكون أحد العناصر المهمة في فريق العمل». وعمل ساويرز سفيرا لبريطانيا لدى مصر خلال الفترة بين عامي 2001 – 2003، وكان يتمتع بعلاقات قوية مع نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وفقا لما ذكرته «الغارديان». ونقلت الغارديان عن مسؤولين بريطانيين قولهم إنه «من الممكن حظر جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا على خلفية علاقتها بالإرهاب»، لكنّ المسؤولين أنفسهم لم يرجحوا أن تقوم بريطانيا بهذه الخطوة ولا سيما أن تقارير وزارة الخارجية ترفض حتى الآن وصم الجماعة بتشجيع الإرهاب. وأضاف المسؤولون: «الحقيقة هي أن هذه الجماعة كبيرة وتظهر في أشكال مختلفة باختلاف الدول التي تنشط فيها». وكان الرئيس السابق للمخابرات الخارجية البريطانية السير ريتشارد ديرلوف قد دعا أجهزة الأمن إلى اتخاذ موقف أكثر تشددا من الإخوان المسلمين ووصف الجماعة بأنها إرهابية. يذكر أن قانون الإرهاب لعام 2000 يمنح وزارة الداخلية البريطانية الحق في حظر جماعات بدعوى الإرهاب، ولكن في حالة اتخاذ الوزارة قرارا بالحظر فإنها تبلغ مجلس العموم (البرلمان) بالأسباب. وفي هذه الحالة يكون من حق الجماعة أو من وقع عليه الضرر، في معظم الأحيان يكون من أعضائها، بالتقدم بطعن ضد القرار. وينص القانون على تشكيل وزير العدل لجنة خاصة للنظر في هذه الطعون، تتكون من ثلاثة أعضاء يكون أحدهم مسؤولا قضائيا رفيعا، على أن تصدر اللجنة قرارها خلال إطار زمني محدد ويكون قرارها ملزما لوزارة الداخلية البريطانية. ويتخذ عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين شقة صغيرة، أعلى مطعم كباب مهجور في ضاحية كريكل وود شمال لندن، مقرا لإدارة عملياتهم، بحسب ما نشرته صحيفة «التلغراف» البريطانية في تقرير سابق. وأدرجت السعودية، في السابع من مارس (آذار) الماضي، الإخوان المسلمين وثمانية تنظيمات أخرى على قائمة «الجماعات الإرهابية»، وفق بيان لوزارة الداخلية. وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعلنت الحكومة المصرية جماعة الإخوان «جماعة إرهابية» وجميع أنشطتها «محظورة»، واتهمتها بتنفيذ التفجير الذي استهدف مبنى مديرية أمن محافظة الدقهلية، شمال البلاد، الذي وقع قبل الإعلان بيوم وأسفر عن مقتل 16 شخصا، رغم إدانة الجماعة للحادث، ونفيها المسؤولية عنه. وكانت جماعة «بريطانيا أولا» قد نظمت أول مظاهرة خارج مكتب جماعة الإخوان أو ما يعرف بـ«شقة لندن»، في منطقة كريكل وود، في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي يدير منها التنظيم الدولي للإخوان نشاطاته. وقالت الجماعة البريطانية الناشطة، على موقعها الإلكتروني: «لقد نظمنا بنجاح مظاهرة خارج مقر جماعة الإخوان الإرهابية في 113 كريكل وود شمال لندن، إذ لا يجب أن يكون لهذا التنظيم موطئ قدم في بريطانيا، وهم ليسوا موضع ترحيب، فبلادنا ليست الجزيرة التي يمكن أن تكون مرتعا للجهاديين».