في السنوات الأخيرة كانت عبارة "صنع في الصين" تزرع الخوف في قلوب العمال والسياسيين في الغرب. وفي الوقت الذي تضخمت فيه الصين لتصبح قوة اقتصادية كبرى – إلى درجة أنها ستتفوق على الاقتصاد الأمريكي من حيث الحجم خلال فترة قريبة، وفقاً لبيانات نشرت هذا الأسبوع – تعمل مصانعها على إيذاء الشركات المنافسة الغربية، وهو ما يؤدي إلى نقل وظائف التصنيع. ليست التطبيقات الصغيرة ما يحتاج صنّاع السياسة الغربيون إلى مراقبتها، وإنما الشبكة العالمية. لأنك إذا أردت أن تفهم السبب في الاشتعال الحاد للجدل حول عدم المساواة في العالم السياسي الأنجلو ساكسوني – والسبب في أن كتاب توماس بيكيتي الجديد حول الموضوع، بعنوان "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" لامس وتراً حساساً – من المهم أن تدرك أن وجه العولمة يمر الآن في تحول خفي لكنه مهم. بصورة خاصة، يعمل الإنترنت على تحويل الشركات العابرة للحدود. وفي حين أن عملية التحول الرقمي المذكورة توفر الفرص – أصحاب المشاريع في مومباي، الذين كانوا في الماضي يطبعون الرسوم على التي شيرت، ربما يبتكرون الآن تصاميمهم الخاصة بهم ويبيعونها في مختلف أنحاء العالم – إلا أنها أيضاً تهدد بإيجاد فئات جديدة من الفائزين والخاسرين (ربما يجد بعض المصممين الغربيين أنفسهم معرّضين لمنافسة الأسعار من قبل المصممين الهنود). ومن هنا يأتي الاهتمام بعدم المساواة. حتى نأخذ فكرة عن ذلك، ألقِ نظرة على تقرير نشره للتو معهد ماكينزي العالمي حول الحركات الاقتصادية في عصر رقمي. يقدر هذا التحليل أنه خلال العقدين السابقين ارتفع مستوى التحركات الاقتصادية العابرة للحدود خمس مرات، فقد كان نحو خمسة تريليونات دولار في 1990، لكنه بحلول 2012 ارتفع إلى 26 تريليون دولار، أي ما يعادل 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. من جانب معين، ليس هذا أمراً مفاجئاً. من المعروف للقاصي والداني أننا نعيش في عالم تسوده العولمة. الأمر الذي لا يدركه كثيرون هو أن العولمة خضعت للتحول. في العقد السابق على 2007، كان المال هو أسرع المكونات نمواً في الحركات العابرة للحدود؛ وأشعلت طفرة الائتمان اندفاعاً في حركات رأس المال وتكامل السوق. كذلك كان هناك ارتفاع حاد في السلع القابلة للمتاجرة، في الوقت الذي حوّلت فيه شركات التصنيع الغربية الإنتاج إلى البلدان ذات التكاليف المنخفضة. في هذه الأثناء، ارتفعت حصة الصين، على سبيل المثال، من 2 في المائة من حصة العالم في السلع المنظورة في 1990 إلى 12 في المائة في 2012. منذ ذلك الحين حدث تحولان لافتان للنظر: الأول هو أن العولمة المالية دخلت في مسار عكسي، في الوقت الذي أصبح فيه المصرفيون المتوترون أكثر حذراً في إقراضهم بعد الأزمة. تشير تقديرات معهد ماكينزي إلى أن التحركات المالية العابرة للحدود هي الآن أدنى بنسبة 70 في المائة مما كانت عليه في 2007. الثاني هو التوسع العجيب في الاتصالات الرقمية في الخدمات الأخرى – من التجارة الإلكترونية إلى الاستشارات. أو، إذا وضعنا الأمر بصورة أخرى، في حين كان المال والإنتاج رخيص التكلفة هو الذي يقفز عبر الحدود، تأتي الآن في أعقاب ذلك الأفكار والخدمات، بفضل الإنترنت. يقدر ماكينزي أن هذه "التحركات المكثفة معرفياً" تبلغ قيمتها الآن رقما ضخماً هو 12.6 تريليون دولار. وحتى نضع هذا الرقم في السياق، نقول إنه يشكل نصف التحركات العابرة للحدود، ونحو أربعة أخماس حجم الاقتصاد الأمريكي. من بعض الجوانب يعتبر هذا التحول الجديد في العولمة أمراً رائعاً، لأن بإمكانه أن ينتشل الملايين من الفقر، وأن يجعل الشركات أكثر كفاءة، ويقلل التكاليف على المستهلكين، ويمكِّن أصحاب المشاريع من الاستفادة من مصادر جديدة للطلب. المشكلة، كما يشير ماكينزي بنوع من التبسيط الهائل، هي أن "بعض العمال سيعانون أوضاعا صعبة". بطبيعة الحال ليست جميع الوظائف الغربية معرضة للخطر، لكن في الوقت الذي تنقلب فيه الأدوار عن طريق الأرقام الثنائية والنبضات الرقمية، يجري أمامنا الآن انقسام وتفرع للأدوار. في بلدان مثل الولايات المتحدة، هناك ما يسمى وظائف "جميلة" ذات مهارة عالية برواتب عالية في القمة، ووظائف أقل من عادية و"رديئة" برواتب متدنية في الأسفل – وحيث المنطقة الوسطى تتعرض للانضغاط. الوجه الجديد للعولمة لا يهدد فقط وظائف التصنيع الغربية، وإنما يهدد كثيراً من وظائف الخدمات أيضاً. بطبيعة الحال، يمكن أن يجادل المتفائلون بأن هذا التحول سيؤدي إلى ظهور فائزين. على سبيل المثال، يشير ماكينزي البشوش دائماً، إلى أن البلدان التي تقع في مركز التحركات العالمية – مثل الولايات المتحدة وألمانيا – ستستفيد بصورة هائلة، حيث ستحصد 40 في المائة من النمو الإضافي زيادة عن المناطق الأقل اتصالاً. وكذلك ستستفيد الشركات والأفراد من ذوي المهارات المناسبة. العالم الذي يعترك مع الاضطراب الذي تسببه تحركات "المعرفة المكثفة" بقيمة 12.6 تريليون دولار، يعتبر وصفة ممتازة للجدل الجديد حول عدم المساواة. حتى – أو خصوصاً حين – تستطيع شراء كتاب بيكيتي اليوم بسهولة على الشبكة الرقمية (أو حتى بشكل رقمي)، دون أن تحتاج إلى التفاعل نهائياً مع قرطاسية من طراز قديم لبيع الكتب.