العابرون بالناس يمرون بهم في الشوارع، على الأرصفة يقتعدون، يفترشون، ينامون... راجلين، راكبين، متوكئين، مسرعين، وعلى مهل..!! في الساحات الفسيحة من الأماكن، يأكلون، يتحادثون، بفضفضون، يشحذون يتقاضون، يتشاجرون، يتسامحون... سائلين، صامتين، متكلمين، صارخين، صامتين، متراضين، مختلفين..!! للمطارات، لمحطات القطارات، والسفن، والحافلات روائح تعم الذاكرة، تستلهم التفاصيلُ فيها وجوهَ الناس..!! تتنسم العواصم رفاهيتها، قوتها، نفوذها، تضخمها، دلالها، تنعُّمَها.. تلتم المدن الصغيرة، والقرى المتناثرة عوزها، كفافها..، تخمتها، فاقتها، صحتها، مرضها..!! العابرون يصافحون، يبتسمون، يختبؤون، يهربون، يُقبلون، يدبرون.. ضاحكين، باكين، مطمئنين، خائفين، فاقدين، مجتمعين، فرحين، بائسين، مجروحين، متعافين..!! الأماكن تتلمظ، تلم، تأوي، تستر، تخبئ، تحتضن، تلفظ... المحال الكبيرة تلتهم، تثرى، تزداد، تخسر، تكسب .. الصغيرة بينها تنام على آهة، تستيقظ على وجع، ربما على سكينة، ورضاء..!! العابرون يفكرون، يتأملون، يتشتتون..يعرفون، يجهلون، يرفضون، يقبلون، يندمجون، يتوحدون، متصافحين، متنافحين، متصالحين، متنافرين..!! يخيبون، وقد ينتصرون..!! أقدام تمشي، أيد تتحرك، رؤوس تمتلئ، نفوس تحتدم، أفكار تتوالد، حِكم تتدفق، بؤس يعم، مفارقات تتسابق..!! روائح العبور شذية، فاتكة، عفنة، مفعمة، نفاذة، متلاشية.. بكل ذلك يضطرب في العابرين الوجدان.. تعمَّر فيهم الذاكرة.. وحين يتكرر المرور يُنهِض في مخابئ الباطن كلُّ الذي عبر يستحضره، يهيمن بشيء مما بقي.. ويزيد. تلك زيادة التغيير، وديدن الحياة..