باتت في متناول منطقة اليورو آلية إضافية ستمكّن من مراقبة نشاط المصارف في دول الاتحاد الأوروبي، وتحديداً رصد الصعوبات التي يمكن أن يواجهها بعض المصارف، والتدخل السريع من خلال أدوات البنك المركزي الأوروبي، لتطويق الأزمة والحؤول دون تحوّلها عدوى يمكن انتشارها في قنوات النظام المصرفي. وتهدف آليات المراقبة المتنوعة التي وضعها الاتحاد الأوروبي في السنوات الماضية، إلى تفادي السقوط في أزمة شبيهة بأزمة 2008 التي لا يزال الاقتصاد الأوروبي يعاني من تبعاتها حتى الآن، ومعه اقتصادات الدول المجاورة. وتسعى دول الاتحاد من خلال هذه الآلية إلى قطع العلاقة بين أزمة المصارف والديون السيادية. إذ أنفقت حكومات دول الاتحاد بين عامي 2009 و2010، ما لا يقل عن ترليوني يورو لإنقاذ المصارف الأوروبية. وقد فوجئ الجميع بسرعة انهيار النظام المصرفي الأوروبي، وما ترتب عنها من ركود خطير في الدورة الاقتصادية. وصادق البرلمان الأوروبي منتصف هذا الشهر، في الدورة الأخيرة من ولايته المنتهية، على النصوص القانونية لإنشاء الاتحاد المصرفي وتحديد صلاحيات آلية المراقبة الواحدة. ويتمتع البرلمان بصلاحيات مهمة إلى جانب المجلس الوزاري، حيث يمثل حكومات الدول الأعضاء في مجالات السياسات المالية والاقتصادية. وسيُنتخب البرلمان الجديد في 25 أيار (مايو) المقبل، وتتمثل أولى مهماته بإطلاق مسار المفاوضات حول تجديد فريق المفوضية الأوروبية وانتخاب الرئيس الذي سيخلف مانويل باروسو. وأعلن المفوض الأوروبي لشؤون السوق الواحدة ميشال بارنييه، أن قوانين إنشاء الاتحاد المصرفي والمراقبة الواحدة، تضمن «تأطير القطاع المالي وشفافية نشاطه وتحديد المسؤوليات» بالنسبة إلى كل طرف. ولفت إلى أن الآليات المتنوعة هي «نتيجة عمل كثيف دام أربع سنوات» بعد أزمة 2008. ورأى أن الاتحاد المصرفي يوفر «نظاماً أوروبياً يمكّن فعلاً من مراقبة كل بنوك منطقة اليورو» ومعالجة أزمات الإفلاس المحتملة. ويكمل الاتحاد المصرفي آلية المراقبة الواحدة التي يقودها البنك المركزي الأوروبي الذي يسهر على سير نشاطات المصارف. وشملت مصادقة البرلمان التصويت على حزمة قوانين وإجراءات تقضي في جزء منها، بأن يتحمل حاملو الأسهم والمقرضون وزر الصعوبات المالية التي يواجهها المصرف، وألا يبقى الحمل على كاهل القطاع العام. وينطبق الإجراء على النظام المصرفي في دول الاتحاد الـ12. ويكمل القانون المهمة التي سيتولاها مجلس آلية المراقبة الواحدة بدءاً من أيلول (سبتمبر) المقبل، وهي معالجة حالات إفلاس المؤسسات المصرفية المعنية. ويتزود الاتحاد المصرفي وآلية المراقبة بقدرات مالية توفرها المصارف، لاستخدامها في عمليات الإنقاذ المالي. وتوصلت الدول الأعضاء بعد نقاشات طويلة وصعبة على مستوى وزراء المال وفي الحوار مع البرلمان، إلى أن تُزوّد آلية المراقبة صندوقاً قيمته 55 بليون يورو يوفره القطاع المصرفي الخاص في ثماني سنوات. وحاول القطاع المصرفي تأمين مشاركة القطاع العام في توفير الضمانات المصرفية في عمليات الإنقاذ. لكن ألمانيا تدعمها هولندا والنمسا، صدمت الشركاء الذين حاولوا جرها إلى الموافقة على تولي الحكومات مسؤولية الضمانات المصرفية. ويُفسر حذر حكومات كثيرة منها حكومة برلين، بالتجربة المضنية التي عانتها في السنوات الثلاث الماضية، حين وجدت نفسها في مناسبات كثيرة تسارع عقارب الساعة غالباً في نهاية الأسبوع، من أجل توفير الموارد المالية لإنقاذ المؤسسات المصرفية قبل فتح أسواق المال. ويجسد الاتحاد المصرفي نقل جزء من سيادة كانت الحكومات تفرضها تقليداً على المؤسسات المصرفية سواء لاعتبار دور المصرف المعني في قطاعات صناعية استراتيجية، أو في تنشيط الحياة الاقتصادية على صعيد الجماعات المحلية. وقبلت ألمانيا الحل الوسط بعدما كانت تحفظت عن تمويل المصارف الألمانية عمليات إنقاذ. ورفضت في المقابل أن يؤمن القطاع العام الضمانات اللازمة التي من شأنها تمكين الصندوق من الاقتراض. وربما يضطر الصندوق إلى الاقتراض من أسواق المال، إذا تجاوزت كلفة التدخل قيمة أصل رأسماله البالغ 55 بليون يورو. ويقضي النظام بحماية ودائع المدخرين في حدود 100 ألف يورو وحقهم باسترجاعها في أجل لا يتجاوز أسبوعاً. ويتضمن شروطاً تقيد سلوك المصارف وتحظر عليها المغامرات غير المحسوبة العواقب. ويشرف البنك المركزي في فرانكفورت على آلية المراقبة الواحدة، حيث تمكن من رصد الصعوبات التي تواجهها المصارف في وقت مبكر، وقبل أن تتحول إلى عدوى تهدد النظام المصرفي بأكمله. واستنتج المسؤولون والخبراء من أزمة البنوك في 2008 - 2010، أن أنظمة المراقبة الوطنية لكل من الدول تواجه صعوبات خاصة في رصد المشاكل التي تواجه البنوك في السوق المحلية في شكل مبكر، ما يؤدي فوراً إلى ارتفاع كلفة التدخل لإنقاذ المؤسسات المصرفية. وسيراقب النظام عن كثب نشاطات 150 من أكبر المصارف في سوق الاتحاد الأوروبي، بإشراف مباشر من البنك المركزي الأوروبي بدءاً من أيلول المقبل. وأوصى البرلمان الأوروبي البنك المركزي، بوضع مدونة موحدة ملزمة لمؤسسات المراقبة في دول الاتحاد الأوروبي. ويلتزم البنك المركزي تقديم تقارير دورية ومعلومات كافية حول مداولات مجلس المراقبة الواحدة وطرح الأسئلة على رئيس المجلس والحصول على الأجوبة كتابياً. ويمكن البرلمان تكليف لجنة للتحقيق في أي من القضايا التي يمكن أن يرى النواب، ضرورة كشف خيوطها.