كره أهل النظام العربي الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، وضمروا له حقدا حادا إضافة إلى ما أعلنوه. فهو قد طرح «البريسترويكا» و«الغلاسنوست»، أي الإصلاح الاقتصادي والسياسي، لكن الناس طمّاعة، ما أن انتهلت من الشراب نقطة حتى خرجت تطلب النهر مثل سائر الشعوب. عندما انقلب الجنرالات العتاة على غورباتشوف صفق لهم النظام العربي بأيديه وأقدامه. انتصروا للشيوعية، مع أنهم – جميعا – كانوا يحشون السجون بالشيوعيين، أو يسحلونهم في الطرقات، لا يردون حتى على نداءات الكرملين ووساطاته. وكان الكرملين أكثر وصولية، فقد تقبّل الأمر وأدار ظهره للذين حشاهم بالأفكار والولاء والطاعة الكلية. غورباتشوف كان الوجه الإنساني للسياسة. لم يكرهه صدام حسين فقط بسبب إصلاحاته التي لا يريد تطبيق أي شيء منها في العراق، بل أيضا لأنه رفض أن يبارك له احتلال الكويت. وعندما كان عبد الحليم خدام لا يزال نائبا للرئيس، كان يقول إن الغلاسنوست سوف تؤدي في سوريا إلى جزائر جديدة و200 ألف قتيل، وقد حدث ذلك من دون أي إصلاح، سوى قانون الانتخابات الرئاسية! لم يكن ميخائيل غورباتشوف يحلم بأن يصل إلى الحكم، لكنه عندما وصل، تذكّر أن النازيين احتلّوا قريته بوحشية. وأن شقيقه الأكبر انضم إلى الجيش الأحمر وقُتل، وكذلك ثلاثة من أعمامه، وأصيب والده بجروح في حرب بولندا. عندما ولد العام 1931 كانت روسيا تعاني من المجاعات والقتل الجماعي الستاليني. ونفي أحد جدّيه إلى سيبيريا لأنه فشل في ذر البذار كما يجب. وماتت نصف عائلته في المجاعة. وسُجن جدّه الآخر 14 شهرا بصفته «عدو الشعب». لكنه عندما أصبح شابا، نعم في الإصلاح الذي أجراه نيكيتا خروشوف في السياسة وفي الاقتصاد. وكان ليونيد بريجنيف قاسيا لكنه لم يكرر تجربة ستالين. وكل ما أراده غورباتشوف هو أن يكون إنسانا، وأن يحسّن أوضاع شعبه. أن يلغي مناخ الرعب والخوف وظلال ملايين القتلى الذين سقطوا في وحشية واحدة بين العدو النازي والحاكم السوفياتي. لم يرد انهيار الاتحاد ولا نهاية الشيوعية. أراد إخراج روسيا من المأساة التي تُلاحقها منذ العصور، قيصرا خلف قيصر، وعدوا لا يكف عن اجتياحها ومحاولة إذلالها، هتلر خلف نابليون، ألماني خلف فرنسي. لكنّه عندما بدأ الإصلاح، وجد أن الاهتراء قد ضرب الهيكل الحديدي برمّته. تساقطت المفاصل دفعة واحدة بمجرد أن لامسها الهواء. وعتاة الشيوعية قطعوا عليه الطريق وأصبحوا هم عتاة الرأسمالية أيضا. لم يُعط َ فرصة الإصلاح الهادئ، وربما كان ذلك مستحيلا. وهذا ما أدركه أهل النظام العربي عندما تلقوا نصائح وعرائض تطلب شيئا من الانفتاح. هذا نظام لا يحتمل اتساع الانفتاح. وهم على حق. هيكله ينخره الصدأ.