اقرأ معي: «نزل ملك الروم هذه السنة (532هـ) على بزاعة، وحاصرها حتى ملكها بالأمان وأسر من فيها، ثم غدر بهم ونادى مناديه من تنصر فهو آمن، ومن أبى فهو مقتول أو مأسور، فتنصر منهم نحو أربعمائة إنسان، منهم القاضي والشهود، ثم رحل عنها إلى شيزر وترك فيها واليا يحفظها مع جماعة وأقام عشرة أيام يدخن على مغارات اختفى فيها جماعة فهلكوا بالدخان». (خطط الشام. تأليف العلامة محمد كرد علي. الجزء 2 ص11). (بزاعة) هي بلدة سورية تابعة لمحافظة حلب الآن. و(شيزر) قلعة وبلدة قديمة جدا، تقع على جانب نهر العاصي وتتبع محافظة حماه الآن، أشهر من ولاها بنو منقذ. ومنهم الأمير الأديب أسامة. مناسبة ذكر هذا النص الذي وقعت عليه أثناء مطالعتي لخطط العلامة كرد علي، هي الضجة الكبرى التي تثيرها دول الغرب وعلى رأسها أميركا تجاه نظام الأسد، بعد اتهامه بقصف السكان في غوطتي دمشق بغاز السارين وربما غيره من الغازات المميتة والمشوهة. أوباما، كما نعلم، وضع خطا أحمر لحدود القتل والقصف المتاح لدى نظام بشار، وهو عدم استخدام السلاح الكيماوي أو البيولوجي - المرارة السوداء المفهومة من هذا التحذير.. هو أنه مباح للأسد القتل بالدبابة والطائرة والبراميل المتفجرة - لكن بعيدا عن هذا، كيف سيتصرف الرئيس الأميركي، الأكثر ترددا وقلة حيلة من رؤساء أميركا، تجاه هذا الخرق السافر لتحذيره ولخطه الأحمر؟! مخابرات أميركا تشير إلى أن النظام هو من قصف بالكيماوي، وكذلك مخابرات أوروبية أخرى، والنظام أعاق وصول البعثة الدولية للتحقيق في هذا الأمر، إلى مكان الغوطتين. وروسيا كالعادة تحاول تمييع الموضوع. وما زال أوباما يشحذ سيفه، مثل عباس الحذر الحساس، لا بد أن يتأكد تماما من أن اللون الأحمر القاني هو من اقتحم، وليس الأحمر الخفيف أو الأحمر الشفيف أو الأحمر السخيف... الموت هو الموت، بغاز خانق، أو بصاروخ حارق، وطعم الموت واحد، وإن تعددت أسباب المنايا. الحروب والجيوش، منذ الأزل، حريصة على تطوير أسلحتها وقدراتها، وصرف المال الجزيل لهذا الغرض، واستقدام العلماء من أجل خدمة العسكرية بأفكارهم واختراعاتهم. الصناعات العسكرية كانت قاطرة التكنولوجيا في التاريخ. استخدمت جيوش كثيرة في التاريخ أعتى الأسلحة لهزيمة الأعداء، بسرعة وحسم، من أيام حروب الإغريق إلى حروب التتار وطلائع الغزاة البيض لأميركا، وكان رمي الأعداء بالملابس أو الحيوانات الملوثة بأوباء الطاعون أو الجدري، من «الإبداعات» التي تفتق عنها الذهن البشري القديم، وصولا، في العصور الحديثة، في الحربين العالميتين إلى الهمجية في استخدام هذه الأسلحة. في الشام، حينما فعل الغزاة ما فعلوه، لم يكتفِ عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين، أقوى قادة الشام والعراق حينها، بالشجب أو التأمل، بل قارع القنى بالقنى، ولاطم الموج بالموج، ورسم خطا «حقيقيا» فاصلا في التاريخ، بين الكلام والحسام.