كان هم المؤسسة التعليمية في السابق المنهج والتلميذ والوسيلة التعليمية، اليوم أصبح شغلها الشاغل الذي يستهلك طاقتها تنظيم شؤون معلميها وملاحقة طلباتهم وشكاواهم، فأنا أقرأ عن حركات النقل والتثبيت والتوظيف أكثر مما أقرأ عن التعليم نفسه! آخر ما أضيف للهم التعليمي بعد أن تجاوزنا هم الاحتجاج على اختبارات الكفاية، هو مطالبة خريجي الانتساب بحصتهم من كعكة وظائف التعليم، المسألة بالنسبة للكل هي الحصول على الوظيفة ومرتبها دون إدراك لطبيعة المهمة! يا إخوان، يا أخوات، أنا أتمنى أن يحصل كل إنسان على الوظيفة التي تلبي طموحه وتحقق حلمه وتؤمن له لقمة العيش الكريمة التي يستحقها، لكن هناك وظائف تتطلب تأهيلا ضروريا لا يمكن المجاملة فيها أو الخضوع فيها لمبدأ لقمة العيش وحده، وأهم تلك الوظائف التي لن أجامل فيها أبدا هي وظائف القطاعين الصحي والتعليمي، فهي وظائف لا ترتبط بصاحب الوظيفة وحده، بل يمتد أثرها على حاضر المجتمع ومستقبله؛ لذلك كان تعاطفي مع مطالب خريجي المعاهد الصحية مشروطا بتنفيذ برنامج لتدريبهم وضمان تأهيلهم، أما الوظائف التعليمية فإن معظم دول العالم المتقدم تتطلب رخصة للتعليم، وهو ما تؤهل له المؤهلات والخبرات والاختبارات متفرقة أو مجتمعة! بالنسبة لمؤهلات «الانتساب» أنا على ثقة أن هناك تخصصات يستوعبها سوق العمل، لكن التعليم ليس أحدها ما لم يقترن بخبرة أو قدرة مميزة، وبالتالي أنا ضد شعور حملة هذه المؤهلات بحق التقدم للوظائف التعليمية كحق مكتسب، ولكنني معهم في أن يمكنوا من المنافسة من خلال «كفاية»، فالشهادة الجامعية ليست معيارا وحيدا للتقييم، خصوصا في مجتمع تنافس فيه دكاكين خدمات الطالب في انتشارها مطاعم البروست والشاورما!.