أظهرت وثائق حصلت عليها "رويترز" أن وزارة الداخلية ومصلحة السجون في اليمن تلقت معلومات بأن عناصر من تنظيم القاعدة تعتزم اقتحام السجن المركزي في العاصمة وذلك قبل شهرين من الاقتحام. ففي 14 شباط (فبراير) نفذ مسلحون هجوماً منسقاً بالقنابل والقذائف والأسلحة النارية على السجن لتحرير نزلاء على صلة بالتنظيم. وفرّ في تلك الأحداث ما لا يقل عن 19 نزيلاً يشتبه بأنهم من المتشددين. وفي أواخر آذار (مارس) نُشر تسجيل مصور على الإنترنت يظهر فيه زعيم تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" وهو يحتفي بنزلاء فارين ويتوعد بمهاجمة الولايات المتحدة. والوثائق المرتبطة باقتحام السجن تلقي الضوء على واحد من أكبر التحديات أمام اليمن في صراعه مع القاعدة في جزيرة العرب: وجود قوة أمن ضعيفة منقسمة تفتقر للتجهيزات اللازمة وبحاجة ماسة لإعادة الهيكلة وإلا ظل الباب مفتوحا أمام اختراقات أمنية كبرى يمكن أن تهدد مصالح الغرب. وانعدام الاستقرار في اليمن يمثل خطراً أيضاً على السعودية، فالبلدان يتشاركان في حدود طويلة يسهل اختراقها. من بين الوثائق مذكرة رسمية بخط اليد تحت بند "عاجل وسري" رفعها مدير سجن صنعاء المركزي العقيد محمد الكول إلى رئيس مصلحة التأهيل والإصلاح بتاريخ السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2013. وتضمنت المذكرة التي تحمل في مقدمتها ما يدل على أنها من مراسلات وزارة الداخلية، تحذيراً من "معلومات تفيد بأن عناصر تنظيم القاعدة الموجودين داخل الإصلاحية يخططون مع بقية التنظيم خارج الإصلاحية لمحاولة اقتحام السجن وإطلاق سراحهم، خاصة بعد اقتحام مقر وزارة الدفاع". ولم يتضح رد فعل عبد القادر قحطان الذي كان وزيراً للداخلية في ذلك الحين. لكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عين وزيراً جديداً بعد اقتحام السجن، وتم حبس الكول على ذمة التحقيق في اتهامات بالتقصير في أداء الواجب. وتضمنت مذكرة أخرى مطالب من الكول "بتعزيز حراسة السجن بجنود إضافيين وتغيير بعض الأفراد ممن هم في سن لا يسمح لهم بالاستمرار في الحراسة ومن لا يصلحون للعمل في الحراسة وإصلاح كاميرات المراقبة المعطلة منذ سنتين... ولكن لم يستجب أحد لهذا". ولم تتحقق رويترز من صحة الوثائق من مصدر مستقل لكنها اطلعت على نسختين من مذكرة الكول المؤرخة بتاريخ السابع من كانون الأول (ديسمبر)، ومذكرة أخرى مؤرخة في التاسع من الشهر نفسه، وجهها النائب العام إلى قحطان يطلب فيها التحري حول البلاغ المقدم. وسُئل العقيد أحمد حربة السكرتير الصحفي لوزير الداخلية الحالي التعليق فقال: "استكملت التحقيقات مع عدد من المسؤولين وأفراد حراسة السجن المركزي وتمت إحالة الملفات إلى القضاء". وأضاف دون أن يحدد الاتهامات "القضاء هو الذي سيدينهم أو يبرئ ساحتهم... لأن الحديث عن وجود عجز في الجنود أو غيره ليس مبرراً.. لحدوث مثل هذا الأمر". * إخلاء المسؤولية طالبت المذكرة المؤرخة في السابع من كانون الأول (ديسمبر) بنقل سجناء القاعدة المحتجزين في السجن المركزي إلى "سجن الأمن السياسي.. أو أي سجن ترونه خاصاً بالجماعات المتطرفة"، وحذرت من أن "بقاءهم في الإصلاحية يعدّ خطراً أمنياً، خاصة وأن السجن أصبح متهالكاً ومن السهل اقتحامه". وجاء في المذكرة أيضاً، أن سجناء القاعدة نشروا "فكرهم التكفيري بين أوساط السجناء، خصوصاً بعد وعدهم بإخراجهم من السجن بأي وسيلة". وأشارت الوثيقة إلى "إخلاء مسؤولية إدارة السجن" التي ذكرت أنها استنفدت "جميع الإجراءات والحلول وأنها أرفقت كشفاً بأسماء السجناء الذين تطلب نقلهم من الإصلاحية". وتضمنت وثيقة مرفقة كشفاً بأسماء السجناء الذين طلبت إدارة السجن المركزي نقلهم إلى سجن آخر. أما النائب العام أحمد علي الأعوش فقال في مذكرته المؤرخة في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) إنه تم تلقي صورة من "البلاغ بوجود مخطط من قبل بعض المنظمات الإرهابية بالتعاون مع بعض السجناء المنتمين لهذه المنظمات لمهاجمة السجن وتهريب السجناء، وهو ما لزم إبلاغكم باتخاذ إجراءاتكم تفادياً لما قد يحصل وتوفير الحماية اللازمة للسجن المركزي والتحري حول البلاغ المشار إليه وفقاً للقانون". وحملت المذكرة توقيع الأعوش وختمه. * قوات ضعيفة من جانب آخر كان ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد تعهد في آب (أغسطس) 2013 في بيان، شوهد على موقع على الإنترنت يستخدمه الإسلاميون، بإطلاق سراح سجناء. وأعاد الرئيس اليمني هيكلة وزارة الدفاع، لكنه يقر بأن الأمر يتطلب ما هو أكثر من ذلك. وقال في كلمة أدلى بها في الآونة الأخيرة في احتفال بمناسبة تخريج دفعة حاصلة على درجة الماجستير في الحقوق وعلوم الشرطة إن "أسس بناء الأمن تكون صعبة، ولذلك لابد من أن يكون كادر وزارة الداخلية الأمني أفضل ترتيباً وتنظيماً على المستوى العملي". وعن المذكرتين المتعلقتين باقتحام سجن صنعاء المركزي قال مسؤول أمني يمني بارز إن "هناك تقصيراً وإهمالاً، ولهذا قام الرئيس بتغيير وزير الداخلية كما تمت إقالة رئيس مصلحة السجون ومدير السجن وحراس السجن. والتحقيقات مستمرة مع مدير السجن وأفراد الحراسة ونتائج التحقيقات هي التي ستحدد طبيعة ومسؤولية كل شخص في هذه الحادثة وإذا ما كان الإهمال متعمدا أم أنه تقصير". وفي غياب قوة أمنية يمنية قوية لأسباب منها مواجهة الانفصاليين في الجنوب وتمرد في الشمال، زاد اعتماد واشنطن على هجمات الطائرات بدون طيار في التصدي لخطر"القاعدة في جزيرة العرب". وأسفرت سلسلة من الضربات الجوية يومي 20 و21 نيسان (أبريل) عن مقتل 65 متشدداً وفق ما ذكرته السلطات اليمنية. وأفلت من هذه الضربات، فيما يبدو أهم هدفين بالنسبة لواشنطن وهما الوحيشي وخبير المتفجرات إبراهيم العسيري. وأتبع الجيش اليمني ذلك بحملة كبيرة في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين لإخراج المتشددين من معاقلهم. وتقول السلطات إن عشرات المتشددين لقوا حتفهم في القتال. وقال اليمن إن ما لا يقل عن 37 متشددا من القاعدة قتلوا في شبوة يوم الأحد وحده. وكان بين القتلى أفغان وصوماليون وشيشان وجنسيات أخرى. وقتل زعيم خلية "القاعدة في جزيرة العرب" في مديرية المحفد في محافظة أبين، وهي خلية قال مسؤول يمني إنها أنشط خلايا التنظيم في البلاد في مجال التخطيط لهجمات على الجيش ومنشآت النفط والغاز. وقال اليمن إن الجيش بسط سيطرته على معقل للمتشددين في المحفد في مطلع الأسبوع. وقال دبلوماسي أميركي سابق على دراية بالأوضاع في المنطقة إن "أجهزة الأمن اليمنية بحاجة لمساعدة ضخمة. هذا أمر معروف منذ فترة طويلة. لدينا مدربون يعملون مع وحدات يمنية متخصصة كما كان الحال منذ سنوات، وهم يحاولون تدريبها على الاستعداد لدخول المعارك". وأضاف "مازال هذا صعباً. لا يوجد عدد كاف من المؤهلين بين ضباط الصف. يصعب نشر ذلك العدد الضئيل جداً على كل الأجهزة المختلفة التي تسعى للنهوض بها إلى مستوى المهارة العملية". اليمنالازمة اليمنيةاليمن الوضع الامني