النسخة: الورقية - سعودي لذة المواقف والذكريات نشيد من أناشيد الأحلام والحرية، وعندما يشهدها ويشاهدها ملايين البشر فإنها ترسم لمن يحلمون عنواناً للمستقبل، وتفتح لمن أصابت جيوبهم تخمة الرأسمالية البشعة جشع سرقة أحلام وردية. أموالهم تتكلم ولا تسمع، تسيطر، وليس بالضرورة أن تفهم. الفائض من الأموال يقدح بصوت صاحبه حتى لو كان من دون الجاهلين جهلاً، وكأنه يقول: أنا للأحلام بثروتي، ناسج كفنها وحافر قبرها. عليكم أيها الحالمون بالمستقبل الابتعاد عن منصات الإبداع، فهناك من تمددوا بالمال طولاً وعرضاً، وحولهم من يأتمرون بالجهل. خذوا من هذا الحالم بالمستقبل وأعطوه حفنة دنانير، فهكذا بفلسفتي المادية تكرمونه. على المبدع الاكتفاء بالمال، وأنا من يجب أن يعرف الناس أن الهدية ذهبت إلى من يستطيع البيع والشراء ويخطف الأضواء، قوة الابتكار في مخيلة الشاعر، وقوة المال هي من يصنع العنوان والقائل، والمنشد يقول: على شيخ المال وطويل العمر أن يحسن الاختيار. الهيبة والوقار والروح الطيبة، المحبة والغيرة على الوطن والنظرة للمستقبل، ينبوع يتدفق من عقل وصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وصار نهراً صافياً يروي العلاقات بينه وبين شعبه. المحبة لا تباع ولا تشترى، يهبها الخالق - جل وعلا - لمن يشاء من عباده، نعرف أنه لم يسجل التاريخ حاكماً أجمع عليه الناس كلهم، ولن يكون ذلك في المستقبل. هذه حقيقة، ولكن مؤشرات الغالبية الساحقة في السعودية تؤكد أن الملك عبدالله حظي - ولا يزال - بحب كبير وشعبية جارفة، وآخرها مشهد الاستقبال والتفاعل المهيب الذي حدث إبان افتتاح المدينة الرياضية بجدة الأسبوع الماضي. ١٧٠ طفلاً تسابقوا على اختبارات لتنفيذ حركة الطيران من أرضية الملعب إلى المقصورة الرئيسة، وبعد مرور 21 يوماً و120 ساعة تدريب، صفق المدرب الفرنسي لشجاعة وجرأة الطفل فيصل الغامدي، وهو يكرر حركة الطيران ٣٠ مرة بإتقان ومن دون تردد أو وقوع في خطأ. تبسم الحظ لابن الأعوام العشرة، وودّعه زملاؤه بالصف السادس الابتدائي، وهم على وعد بلقائه وتشجيعه، إما بأرض ملعب الجوهرة المشعة أو من خلال شاشة التلفزيون، «يا حظك بتشوف الملك يا فيصل». بهذه الكلمات كانت وداعية الأطفال، لم يفكروا بشيء غير هذا. انقبض قلب الأم خوفاً على ابنها، وتبسم الأب عبدالرحمن إعجاباً وهو يرى ابنه طائراً بثقة باتجاه الملك في المقصورة الرئيسة يحمل الكرة المضيئة، هبط فيصل بسلام، يسير بخطى الواثق، صفق الملايين لبطل القصة، لمح الملك ابتسامة المستقبل في وجه الطفل فلم يكترث للكرة المضيئة، وكأني بأبي متعب يقول له: إني أراك يا بني فاقترب مني ولا تخف، دعني أفتتح هذه المنشأة وأنا أنظر إليك وأحدّثك. أنت بالنسبة إليّ الثروة الحقيقية التي تسعدني وأسعد بها. الكرة المضيئة يا بني تنطفئ بعد قليل، أما أنت وأطفال وشباب هذا الوطن فنفسي مثقلة بآمالكم وتطلعاتكم. لن أهديك مالاً، فالمال زائل، أهديك من قلبي حباً لهذا الوطن كي تتعلمه، وأهديك من جيبي قلماً كي تتعلم به، وأهديك من مالي ساعة كي تضبط حياتك على الجد والمثابرة. رسالة سديدة المعنى، واضحة الإشارة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فهمها الطفل الذكي فيصل أكثر ممن هم أكبر منه بأربعة عقود واهتموا بماركة القلم ونوعية وقيمة الساعة. غادر المقصورة وفي نفسه ألف سؤال وسؤال، لن يستطيع الإجابة عليها إلا بعد أن يكبر ويشتد عوده وينضج فكره. قابله قبل أن يغادر الملعب ممن أمواله تتكلم ولا تسمع وسمعه يقول: «تبيع القلم بعشرة آلاف ريال». ابتسامة الطفل فيصل لا تزال مشعة وحلم الملك بين يديه فلم يرد. ألسنة سماسرة الرأسمالية البشعة تطوف بالأخبار، أقاموا المزاد لقلم الملك المُهدى للطفل فيصل: 100 ألف هل تبيع؟ وجاء من أقصى الجزيرة العربية من يعرض خمسة ملايين ثمناً للقلم. يا إلهي أهكذا بالمال تُشترى الأحلام. لا وألف لا، قالها الطفل فيصل، وأرسل رسالة قضّت مضاجع من بأموالهم يتكلمون ولا يسمعون «هذه الهدية سأحتفظ بها طوال حياتي، وسأروي قصتها لأبنائي في المستقبل، لن أبيع هدية ملك تحمِل آماله وتطلعاته». يا من بأموالهم يتكلمون ولا يسمعون، إذا كنتم لتكريمه على الإبداع قاصدين فامتثلوا بأخلاق الملك وقدِّموا للمبدع دعماً من دون مزايدة وبيع وشراء. فيصل عرف من أنظار الملك قيمة القلم ومعناه. دعوه يحلم للمستقبل بأنفاس القلم، لا تدعوا الأموال تنهش عقول الحالمين. * كاتب سعودي. alyemnia@