النسخة: الورقية - دولي هل نحن في دولة تتشكّل من مجموعات بشرية تخطّت مراحل غريزيّتها الطبيعية الدّونية الساقطة؟ أم نحن في مستشفى للمجانين؟ أم في مزرعة للدواجن تحيط بجدرانها المتهدّمة وحوش كاسرة استساغت طحن عظام الديكة والدجاج والصيصان بعد نهش لحومها الطريّة؟ أم على مركب نخرت قاعدته فئران الطحين الفاسد وغلبت على عيني قبطانه ثمالة ليس بعدها صحوة؟ أم في نفق لا مخرج منه، تُضخُّ في داخله سموم النفط والغاز، المعبّأة في عباءات الشبق الذكوري (العربي) من أجل دعم السياحة والازدهار الاقتصادي (...)؟ أم نحن في محيط قانٍ تتقاسمه أسماك قرش التهريب مع حيتان تبييض الأموال في المصارف والاستثمارات العقارية الهائلة؟ أم نحن في سجن كبير لا يدخله سوى أصحاب الضمير والرحمة والحق، ويحرسه لصوص ومجرمون وقتلة؟ أم نحن على شفا هاوية عميقة، لا قرار لها، ووراءنا ذئاب جائعة؟ لبنان هو كل ما سبق ذكره معاً، وكل ما يمكن أن يتصوّره خيال بشري عاقل، من صور مآس ومظالم وأهوال! بين ليلة وضحاها توقّفت كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئيّة عن تغطية الأحداث الدموية الجارية في سورية، وعن مقابلة «قادة محاور» القتال المأسوي المتكرّر بين حي باب التبّانة، وحي جبل محسن، في مدينة طرابلس، وعن السيّارات الملغّمة العابرة من سورية الى الداخل اللبناني، وتحوّل الانتباه الى قطع الطرق الرئيسة من جانب المطالبين بحقوقهم من العمال المياومين في شركة كهرباء لبنان المنهوبة، ومتطوّعي الدفاع المدني وأساتذة التعليم الأساسي والثانوي والجامعي. وعوضاً عن تغطية صور الإجرام البشع الدائر بين الأطراف المتصارعة على «عظمة» السلطة، بدأت تغطية جموع المتظاهرين والمطالبين بـ «فتات موائد أمراء الميليشيات»، وراء الدخان الأسود لإطارات المطّاط المشتعلة في وسط الطرقات. في البداية، ظنّ كثيرون أن ما يحصل من حملات مطالبة بالحقوق هو نتاج توافق بين جميع نقابات العمال والمستخدمين، لكن تبيّن لاحقاً أنه قد أعدّ سيناريو خبيث بين جميع «أمراء الحرب» الذين يقبضون على السلطة المتسلطة، من أجل استيعاب النقمة الشعبية المقموعة، واستعادة أدوارهم في التحكّم بأرواح الناس وتقاسم أرواح القطعان مع حيتان أموال المصارف ومافيات الاستثمارات العقارية. وفي ليلة برلمانية مكفهرّة عاد بعض نوّاب كتل القطعان الشعبية الى تصدّر المنابر الإعلامية وتبرير عدم موافقة البرلمان على إقرار مطالب المتظاهرين المحقّة، وبكل وقاحة مفضوحة. كما عمد نواب آخرون الى التزام الصمت، تحت شعار: «إذا ابتُليتم بالعاصي فاستتروا»، مع العلم أن معظم المتظاهرين ينتمون الى «قطعان المزارع» الذين لاذوا بالتستّر. إنها حــقــّاً مأساة بشرية مؤلمة، حيـــن تُــحــــرم «قطعـــان» هـــذه المخلوقات من لقمة عيشها. وهي أيضاً، مأساة إنسانيه مطلقة، لأن هذه الـ «قطعان»، لم تصل بعد الى مرتبة الوجودية الإنسانية الحقة، والمطالبة بإسقاط هيكليّة الفساد والاستغلال والتسلّط! إننا في «لبنان لاند»، الذي هو أسوأ حالاً من «صومال لاند». ولست أرى أفقاً للتغيير سوى في إعلان «صوملة» لبنان، واستبعاد «لبننة» الصومال.