على مستوى العالم فإن (البقرة) من أنفع الحيوانات للإنسان على الإطلاق، ولكن العرب (وخاصة البادية) يحتقرونها وكثير منهم لا يأكل لحمها حتى الآن ولا يطيق رائحته، وفي القديم لا يشربون حتى حليبها (والسبب البيئة) فإن البقرة لا تحتمل العيش في صحراء العرب، لا تستطيع السير في الرمال والجبال، ولا العيش في حر الصحراء اللاهب الجاف، كما أنها شرهة في الأكل, ماترفع رأسها منه، ولا تصبر على الجوع والعطش أبداً، لهذه الأسباب المقصورة على البيئة فقط كره كثير من العرب البقرة بشكل عجيب، والبدو لا يعتبرونها من الحلال، وهم معذورون لأنهم إن اقتنوها -آنذاك- خسروها، فما في بيئتهم يقضي على البقر قضاءً مبرحاً، حين كانوا يعيشون في صحراء جرداء ( لا نبات فيها) و( لا ماء وافراً في أرضها القاحلة).. هذا كله معروف ومقبول واستعبادهم لها آنذاك له مبرر، لكن الغريب أن كراهية لحوم الأبقار لا تزال موجودة لدى كثير من العرب في المملكة ودول الخليج، رغم تغيير الظروف، ووفرة الماء والغذاء، وانتفاء الحاجة للركائب في التنقل.. هذا يدل على أن (العادة الموروثة) تمتد وتستحكم ويصعب الخلاص منها إلا بعد أجيال طويلة أو استبصار قوي، وإلّا فإن حليب البقر هو الأوفر في تغذية العالم كله، ولحمها هو الأغلى ، وفوائدها لا تحصى، ولكن استمرار الأحكام المسبقة رغم تغير البيئة والظروف من مشكلات الإنسان التي قد تعوقه عن التقدم في أشياء كثيرة أهم من حكايات البقر.