مراكش: عبد الكبير الميناوي «أين هم المثقفون مما يجري في سوريا، وفي غيرها من نقط الدمار والقتل؟»، و«أي دور للمثقفين في النقاش الدائر في المغرب بصدد عدد من القضايا، سواء منها المتعلقة بمضمون التحولات التي يشهدها البلد أو الجدل الدائر بصدد عدد من الملفات، من قبيل اعتماد الدارجة (العامية) لغة للتدريس؟»، كانت هذه أسئلة من بين أخرى، أثثت اللقاء الشهري الذي حل خلاله الكاتب المغربي الطاهر بن جلون ضيفا على الصالون الأدبي لـ«مقهى البريد» في مدينة مراكش، البناية التي تعد إحدى علامات التاريخ المعاصر للمدينة الحمراء. تاريخ امتد خارج أسوار المدينة القديمة، مع الاحتلال الفرنسي للمغرب، ما بين 1912 و1956. في سياق مداخلته ورده على أسئلة الحضور، توقف بن جلون عند إبداعات غابرييل غارسيا ماركيز وطه حسين ونجيب محفوظ ومحمود درويش، وتحدث عن المشهد السوري، بحزن ممزوج بالغضب، خاصة لحظة تطرقه إلى دموية بشار الأسد ودهاء فلاديمير بوتين ودور إيران وحزب الله. وبخصوص المشهد المغربي، توقف عند جدل الدارجة (العامية) والفصحى، وواقع القراءة، ودور المثقفين في مرافقة التحولات التي تشهدها المملكة المغربية. أغلب الحضور الذي أثث للقاء الشهري، كان فرنسيا. لولا دفء الطقس والسحنة المغربية للعاملين وضجيج المارة والسيارات في الخارج لحسبت نفسك في باريس. تقديم إلزا سولتيس، المشرفة على الصالون الأدبي، ومداخلة الطاهر بن جلون، وأسئلة ووجهات نظر الحضور كانت كلها بالفرنسية، مع بعض المفردات من العامية المغربية بلكنة فرنسية، طعم بها بعض المغاربة الحاضرون أسئلتهم. تحدث بن جلون عن بداياته على درب الكتابة، منطلقا من لحظة اعتقاله، في أعقاب مظاهرات 1965. حيث سيكتب جملا منثورة وأشعارا، دفع بها إلى عبد الكبير الخطيبي، الذي دفع بها هو الآخر إلى عبد اللطيف اللعبي، لينشر له في مجلة «أنفاس» نص شعري، تحت عنوان «فجر الأسمنت». كان ذلك في 1969. تحدث بن جلون عن وصوله إلى فرنسا في «ظروف معقدة»، وكيف سيعطي دروسا في محو الأمية للمهاجرين نهاية كل أسبوع، حيث سيكتشف العالم الرهيب الذي كان يعيش فيه هؤلاء المهاجرون. «بعد الاستماع إلى قصصهم، أصبت بالصدمة»، يقول بن جلون، الذي سيعد، في منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي، رسالة جامعية عن «البؤس العاطفي والجنسي للعمال الشمال - أفريقيين في فرنسا». لم يخف بن جلون أنه كان مدفوعا دائما بالأحداث التي ظل يصادفها في طريقه، واستحضر غارسيا ماركيز وطه حسين ومحمود درويش ونجيب محفوظ، وقال: إن قوة ماركيز تجسدت في كتابته من داخل «الشرط الإنساني»، فيما حكى طه حسين قصته وأيامه الخاصة، أما درويش فكان شعره قويا، ليس، فقط، لأنه كان فلسطينيا، فيما لم يفعل نجيب محفوظ أكثر من تتبع المصريين من طاولة مقهى، ليكتب حياة شعب: في نهاية المطاف لا يفعل الكاتب أكثر من أن يحكي الأشياء كما هي، في بساطتها. تحدث بن جلون عن فلسطين، فقال: إنها «جرح في قلب العالم، وليس العرب فقط». ولم يفوت فرصة التطرق إلى الوضع في سوريا، مشيرا إلى أن بشار الأسد يحظى بدعم إيران وحزب الله وروسيا، بشكل خاص، منتقدا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. قبل أن يضيف «لقد كتبت كثيرا عن الوضع السوري إلى درجة أني لاحظت أن الأمر لا يجدي نفعا به». في سياق حديثه، عن الأسد، تحدث بن جلون عن الرئيس الروسي بوتين، الذي استند (ويستند) إليه بشار في مواصلة رسم مشهد الدم والخراب، فقال: «بوتين كان قويا واستراتيجيا إلى درجة أنه أدخل الجميع في الصمت، بعد أن أقنع الأميركيين بنظرية الجهاديين الذين سيحولون سوريا إلى إمارة إسلامية بعد رحيل الأسد، وبعد أن وظف ملف الأسلحة الكيماوية بشكل أنسى العالم مأساة الآلاف من ضحايا قصف النظام السوري». وحول دور المثقفين وكتاباتهم لتغيير هذا الوضع المأساوي، قال بن جلون إن «الكلمات تزن قليلا أمام الأسلحة». وبشأن الجدل الدائر في المغرب، بخصوص استعمال العامية لغة للتدريس، رأى بن جلون أن «العربية الفصحى تربط المغرب بعمقه العربي، أما استعمال العامية فسيقطع صلة المغرب بالعرب». ودعا إلى «تعليم الفصحى والأمازيغية، مع فتح الباب أمام لغات أخرى، خاصة الإنجليزية، حتى نمكن أبناءنا من سبل تحصيل المعرفة الإنسانية»، منبها إلى أن «العامية ليست هي من سيحل المشكلة اللغوية في المغرب»، مشددا على أن «الفصحى هي الأساس». «المستشفى مكان رومانسي، فيه تتأكد الحدود بين الحياة والموت. الموت ليس هو توقف القلب عن الخفقان. الموت هو المرض، وفي المستشفى نلاحظ بؤس ووحدة المرضى، خاصة أنه حين تطفأ الأضواء، ليلا، قد لا يرى أحد هؤلاء المرضى نور الصباح». وتتناول «الاجتثاث» عملية جراحية لاستئصال «البروستاتا»، أجريت على صديق للكاتب، طلب منه أن يرويها بتفاصيلها. ولأن الكتابة تتطلب القراءة، كما أن الكاتب يستدعي قارئا، فقد لخص بن جلون واقع القراءة ومشكلة ضعف المقروئية بقوله «إن الشباب لا يقرأ، كما أن من لديهم الإمكانات لا يقرأون، ومن يريدون القراءة ليست لديهم إمكانات»، ليختم مداخلته بالحديث عن التحولات التي يعرفها المغرب، قائلا: «هناك تقدم وهامش أكبر للحرية وإبداء الرأي»، قبل أن يجيب عن سؤال «أين هم المثقفون المغاربة؟»، بقوله «إنهم في منازلهم». ويعد بن جلون، المولود بمدينة فاس عام 1944. أشهر المبدعين المغاربة، وأحد أكثر الكتاب الفرنكفونيين مقروئية في العالم، تألق في الرواية والشعر. من أشهر رواياته «حرودة» (1973)، و«موحى الأحمق.. موحى الحكيم» (1981)، و«صلاة الغائب» (1981)، و«طفل الرمال» (1985)، و«ليلة القدر» (1987)، و«العنصرية كما شرحتها لابنتي» (1998)، و«أن ترحل» (2006)، وهو الذي ترجمت بعض أعماله إلى أكثر من 40 لغة، كما حاز عددا من الجوائز، بينها «غونغور» (1987) و«أركانة» (2010)، ووشح بأوسمة رفيعة في المغرب والخارج.