بات فوز رئيس وزراء العراق نوري المالكي بولاية ثالثة أمراً محسوماً، ولم يعد هناك حبس أنفاس تمنع الهواء عن أطراف العملية الانتخابية تحسباً لنتائج مفاجئة أو غير متوقعة، فالسيد المالكي خلال فترة حكمه السابقة عرف جيداً كيف يحول خصومه السياسيين إلى أفراد خارجين عن القانون بتهم مشتبه في مصداقيتها، تصل عقوبات بعض هذه التهم إلى الإعدام، بهذا الأسلوب الاجتثاثي تمكن من السيطرة على أدوات الحكم بقوة القمع والإقصاء. نجاح المالكي بالانتخابات مؤكد، ولكن استمراره دورة كاملة أمر مشكوك فيه، فجميع خصوم المالكي أصحبوا خصوماً غير سلميين بسبب سياسة المالكي غير السلمية، فقد أجهض جميع الخيارات السلمية السياسية وتنكر لأصول اللعبة الديمقراطية، وأعطى لنفسه الحق في تجريم من يشاء وعقاب من يشاء، وهيأ المسرح السياسي العراقي لقبول مثل هذه الممارسة الأحادية للسياسة، فالمعارضة السياسية لم تعد أدواتها الناعمة قادرة على إحداث تأثير في قرارات المالكي التي تحدد مصير الشعب العراقي ليس في المستقبل وحسب ولكن في حاضر أيامه، ولكي تكون المعارضة معارضة قادرة على التأثير فلا بد أن تتخلى عن أدواتها الناعمة وتتجه إلى استخدام الأدوات الخشنة، وهذا أمر متوقع بعد الانتخابات مباشرة. التحالفات المذهبية التي استطاع السيد المالكي بناءها بدعم إيراني تهاوت اليوم بطريقة يصعب إعادتها لسابق عصرها بسبب حصر رئيس الوزراء المكتسبات السياسية بشخصه، لدرجة أن أصبح سياسياً يتمتع بقدسية المذهب ويستخدمه لصالحه، وليس سياسياً يخدم المذهب، كما أن حلفاءه من السنة مثل صالح المطلق كان تحالفهم معه قائماً على الإكراه وليس الاقتناع، ولا توجد صيغة وطنية تضمن لمثل هذه التحالفات الاستمرار، كل ما كان يجمع المتحالفين مكاسب وترضيات شخصية وموقته. التحالف الاستراتيجي الوحيد القابل للاستمرار هو تحالف السيد المالكي وداعش، فمثل ما كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن هو من طبق فعلياً نظرية صراع الحضارات في الميدان، فنوري المالكي عمل وسيعمل على تطبيق صراع المذاهب في العراق، وأفضل من يساعده على تطبيق نظريته هم جماعة داعش، الذين أخرجهم المالكي من السجون بطريقة سينمائية تفتقر لجودة الإقناع، ليجعل له خصوماً على الأرض مذهبيين وإرهابيين، وأمام هذا الدم والموت، لا مكان للسياسة أو التنمية أو المطالبات بحق المواطنة والمساواة. ليس مصادفة أن ترسل واشنطن ضباطاً من استخباراتها لدراسة الوضع الأمني على أرض الواقع قبل الانتخابات بأيام، فمحرك هذا الفعل هو إما أن واشنطن استلمت من حكومة المالكي تقريراً أمنياً عن الوضع في العراق ومعه طريقة المعالجة، وعلى ذلك جاء الضباط الأمريكيون للتأكد من ذلك، وإما واشنطن تمتلك معلومات أمنية جديدة عن الأمن في العراق، وجاءت لتتعرف على أفضل الأساليب لمعالجة هذا الوضع على أرض الواقع، فكلا الاستنتاجين يؤكدان على وجود معالجة أمنية أمريكية في المستقبل بالعراق، فهل هذه المعالجة سوف تعتمد على السيد المالكي أم سوف تقطع الطريق عليه لاستكمال بقائه في الحكم دورة كاملة.. المتوقع أن العراق سوف يشهد موجة عنف شديدة لم يشهدها على طول تاريخه القديم والحديث.