الصبر لا ينفع في كل حين، ففي الأجواء التاريخية التي نعيشها اليوم، لا نجد ما نقوله سوى ما قاله ذلك المؤذن لابنه ذات عصرية رمضانية لاهبة.العرب إبراهيم الجبين [نُشر في 2017/05/26، العدد: 10644، ص(24)] كان الصوت الذي يأتي من مئذنة الجامع الكبير على الطريقة المنشاوية خلابا في أيام رمضان الطويلة في دفتر الماضي. وكان المؤذن، حينها، أعلى قامة من كل مباني المدينة، يضع على رأسه عقالا أبيض مزدوج العرى، غريبا عن أزياء الشام والعراق، ويسحر بصوته الناس وهم يصغون إليه بترقب. لكن ذلك المؤذن كبر مع السنين، بعد أن أتى فارا من الفرنسيين من بلدة حارم في أقصى الغرب، فاختلط عليه الأمر، فقال ذات يوم ونحن ننتظر مدفع الإفطار وقت المغرب “الصلاة خير من النوم”. وفي العام 1958 تحدّث في إحدى صالات السينما، الممثل الكوميدي المصري إسماعيل ياسين، قبل أن يبدأ عرض فيلمه “إسماعيل ياسين في دمشق”، فروى قصة مؤذن في حارة مصرية عتيقة، كان قد دمّر أعصابه الحر والصيام، وكان عليه أن يؤذن أربع مرات يوميا، بأعلى صوته من فوق المئذنة، قبل أن يأتي وقت الإفطار. وبينما هو يشد الصوت من أعماق معدته الخاوية، أرسلت له زوجته ابنه الصغير ليسأله ماذا يريد أن يأكل على الإفطار. فأخذ الولد يصيح ويلح على أبيه بالسؤال من الأسفل، والأب يسمع ويتجاهل النداء، حتى اختلطت الأمور على المؤذن أيضا فقال فجأة بصوت متمايل “ملوخية يااااا رسول الله”. الزمن يجري بسرعة هائلة، فهاهي إحدى الشركات التكنولوجية المتطورة تقدم اليوم العديد من التطبيقات خلال شهر رمضان كي تتركك تتفرغ فقط للعبادة في الشهر الفضيل، كما جاء في إعلانها. ومن تلك التطبيقات تطبيق “وصفات رمضان”، ثم يلي ذلك تطبيق “ترتيب المنزل” وتطبيق التذكير بالصلوات الخمس ووقت الإمساك والإفطار. وتقول الشركة إنه “لا داعي للتعب في تصفّح الجرائد والاستماع للأخبار أو التأكّد من ساعتك بين لحظة وأخرى، فكل ما عليك هو استخدام تطبيق واحد لينبهك لأوقات الصلاة، وكذلك لأوقات الإمساك والإفطار. يستطيع التطبيق قراءة التوقيت المحلي وستجدونه مفيدا جدا خلال السفر”. وقبل أن ينتهي رمضان سيكون للتطبيقات دور أيضا في إراحتك من التفكير، إذ يتم إخراج زكاة الفطر للمحتاجين قبل حلول عيد الفطر، عبر تطبيق خاص، ببضع كبسات تساعد المحتاجين خلال شهر البركة. ويأتي غدا شهر رمضان الكريم، برسالته السلمية الهادئة، ودرس الصبر الذي يكتنف ساعاته، لكن الصبر لا ينفع في كل حين، ففي الأجواء التاريخية التي نعيشها اليوم، لا نجد ما نقوله سوى ما قاله ذلك المؤذن لابنه ذات عصرية رمضانية لاهبة. إبراهيم الجبين