صادق ناشرعاد العنف ليصبغ مجدداً الحياة في أفغانستان، الدولة التي كانت ولا تزال، مسرحاً لتحولات كبيرة في العالم، بخاصة منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما تحالفت دول عدة مع الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من الاتحاد السوفييتي، الذي كان أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس بابراك كارمال، ومن بعده محمد نجيب الله، الحليف لموسكو، حيث كان هناك حضور كبير للجيش الأحمر في البلاد، ما استدعى الولايات المتحدة والغرب إلى تنفيذ مشروع لتفكيك الاتحاد السوفييتي، وكانت البداية من أفغانستان. دخلت أفغانستان مرحلة الفوضى العارمة بعد سقوط نظام محمد نجيب الله وتأسيس ما عرفت بدولة أفغانستان الإسلامية التي تولى رئاستها صبغة الله مجددي لشهرين فقط، امتدت من خروج آخر رئيس لجمهورية أفغانستان عبدالرحيم هاتف (حكم شهرين أيضاً)، والذي جاء بعد إعدام الرئيس محمد نجيب الله، قبل أن يتسلم رئاسة الدولة برهان الدين رباني، الذي استمر في الحكم لأربع سنوات. وتتابع الرؤساء والقادة لأفغانستان، دولة وإمارة إسلامية وجمهورية، بدءاً من الملا محمد عمر، مروراً برباني وحامد قرضاي، وانتهاء بالرئيس أشرف غني، الذي لا يزال يحكم البلاد حتى اليوم. محطات العنف في أفغانستان كثيرة، وخلال العقود الماضية، ضرب هذا البلد الثأر السياسي والقبلي والديني كذلك، وهي محطات عنف أدت إلى مقتل وجرح مئات الآلاف من الأبرياء، حيث كانت أفغانستان ولا تزال نقطة استقطاب للقوى الكبرى بحكم موقعها المهم في المنطقة، خاصة بعد أن استولت حركة «طالبان» على الحكم، وإن كانت قصيرة، إلا أن تأثيراتها على المواطن الأفغاني كانت كبيرة. إحكام «طالبان» قبضتها على أفغانستان، لم يدم طويلاً، إذ جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة لتكون مبرراً لاتخاذ واشنطن قراراً بغزو أفغانستان وطرد الحركة من الحكم، وبعد مرور عامين تدخل حلف شمال الأطلسي «ناتو» لإسناد القوات الأمريكية، وكان الهدف المعلن من حرب الولايات المتحدة وحلفائها على أفغانستان تدمير تنظيم «القاعدة»، الذي تنتمي إليه الحركة، وإنشاء قاعدة عمليات في أفغانستان عن طريق إزالة «طالبان» من السلطة، لكن الهدف الرئيسي من الحرب لم يتحقق؛ فقد تحولت أفغانستان إلى ساحة لتصفية الحسابات، وغرقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أراضي أفغانستان وجبالها الوعرة، ورغم وجود حلفاء للولايات المتحدة على رأس السلطة هناك، إلا أن الاستقرار لم يدم، وسالت دماء كثيرة في كل مكان، الأمر الذي يشير إلى عجز أمريكي وغربي في طريقة معالجة البؤر الساخنة في العالم. خلال السنوات الماضية حصلت تحولات هائلة في المجتمع الأفغاني، حضرت فيها البيادق الأمريكية عوضاً عن البيادق السوفييتية أثناء الحرب الباردة، ودارت معارك على أرض أفغانستان، كان فيها قادتها وكلاء لقوى خارجية أرادت وتريد إبقاء أفغانستان رهينة الأطماع الأجنبية، وقد استمر تصاعد أعمال العنف في مختلف مناطق البلاد، ولم تفلح كل الجهود الإقليمية والدولية في وقف هذا النزيف، وفي الأسابيع الأخيرة ارتفع منسوب العنف في كل أفغانستان، الأمر الذي يهدد معه الأمن في المنطقة بأسرها. Sadeqnasher8@gmail.com