* * على الرغم من عدم تخصصه المنهجيِّ في اللغة العربية فقد اطمأنَّ إلى إمكاناته فيها، وإذ لم تكنْ ضمن اهتمامات معهد الإدارة الأكاديمية، فقد كُلفَ - مذ كان معيدًا - بتدريس «المهارات اللغوية» لطلبة البرامج الإعدادية، إضافة إلى مواد تخصصه وآنس في نفسه ميلًا إلى تجاوز كون المادة إضافيةً ولقي تفاعلًا من متدربيها، ويذكر أنه اجتهد فوضع خارطة تنظيميةً لمكونات اللغة والفواصل المحددة لها، مثلما وظف الأسلوب نفسه في تحديد التراتبية الإدارية الإملائيةِ الضابطة، ووجد رضًا معقولًا واستعان ببعض النصوص الشعريةِ لمعانقة الذائقة الجميلة، وأحسَّ أن أسلوب تعليمِ اللغة المعتمدَ على حفظ القاعدة والمثال والمقررَ النمطيَّ وافتقادَ المعلمِ المقتدر معضلاتٌ تحولُ دون إتقانِها، وما تزال في أمنياته التي سبق أن أعلنها وقتُ فراغٍ يتيحُ له التطوعَ لتعليم أوليات لغةِ القرآن الكريم في أحد الجوامع للشداةِ الراغبين في تحسين مهاراتهم الفُصحوية. * * تراجع الاهتمامُ باللغة العربية إلى الموقعِ الأخير لا بين النشء بل بين الكبار بمن فيهم المختصون بعلوم العربية، ولم يعد نشازًا أن يؤذيَ أكثرَنا اللحنُ النحويُّ والخطأُ الإملائيُّ حتى باتا القاعدةَ والدقةُ هي الاستثناء، ونستعيدُ من أيام الطلب المبكر معلمينا ومعظمُهم متمكنون ، ومقرراتِنا وفيها «النحو الواضح لعلي الجارم ومصطفى أمين» و»شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد « وليست ميسرة ؛ فتجاوزنا بالشهادة الثانوية مستوى خريجي الجامعة ، وسبق لصاحبكم أن أشار إلى مسابقةٍ أجراها لنا في المرحلة المتوسطة الشيخُ محمد العثيمين - رحمه الله - لإعراب بيت الشعر: كلاهما حين جدَّ الجريُ بينهما قد أقفرا وكلا أنفيهما رابي إعراب مفرداتٍ وجملٍ ولم نُخيب ظنَّه، والمثالُ كافٍ لمقارنة أمس الطلبة بيومهم الذي لن نعدم حولهم بعضّ الحوقلة. * * كذا طلبة مضَوا أو أغلبُهم ، ولن يتجاوز مناسبتين ثقافيتين رسميتين في بلدين عربيين افتتح إحداهما وتحدث في الثانية وزيرا التعليم فيهما وشهودُهما نُخبٌ متمكنةٌ، ولولا أن « الغريبَ أديبٌ» لغادر القاعتين ضنا بذائقةٍ لا ترضى التلوث، ويبقى أن ربَّي البيتين قد قرعا الدفوفَ بجهلهما فتحرَّك الراقصون بتجاهلهم. * * ليس الضعف قاصرًا على قطرٍ أو اختصاصٍ أو فئةٍ عمريةٍ أو وقت؛ فقد ولى زمنٌ عُدَّ فيه اللحنُ مخالفةً توجب العقوبة «عمر بن الخطاب مع عامله»، أو خللًا مقترنًا بالخسارة « في حكاية الأعرابيِّ: عجبت لهم يلحنون ويربحون» أو ذنبًا يلزم معه الاستغفار «في روايتين عن ياقوت الحمويُّ وابن فارس» أو قصورًا في الفهم ودلالةً على الإهمال كما هي الحقيقة المؤسفة. * * عُقدت الندواتُ والمؤتمرات وكُتبت البحوث والمقالات سعيًا لمعالجة الخلل الكبير في تدريس العربية ومخرجاتها، ولم تتأتّ نتائجُ بل ازداد الضَّعفُ وتعاظمت الاستهانة ويبقى الحلُّ مرتهنًا بإرادةٍ تُغير المنهجَ والمعلمَ والوسيلة. * * اللغة واجهةٌ ووجاهة.