×
محافظة المنطقة الشرقية

استكمال خدمات «أبشر» من أجهزة الصرف والطوابير لا تدعو للقلق

صورة الخبر

(إلى د. عبدالله الغذامي.. ملهماً بسرد الحكاية) وضعتُ رأسي في حجرها الدافئ ظهر يوم شتوي مشمس، وانهمكتْ هي في تفتيش شعري بحثا عن كائنات غير مرغوب فيها ربما زارته أثناء ساعات بقائي في المدرسة. كانت جدتي رحمها الله تجد متعتها في تلك الجلسة المشمسة في الحوش وسرد واحدة من حكاياتها التي تجيد استلالها من تاريخها الموغل في البداوة ورمل الصحراء. يومها، وكنت ألامس العاشرة من عمري، اختارت لي جدتي حكاية أسطورية، كما يبدو، لتحكيها لي، فلم يرد في الحكاية ذكر لاسم جدي أو خالي أو أي اسم أعرفه أو تعرفه هي، فكانت شخصياتها بلا أسماء وتسكن قصرا له جدران وأبواب وشبابيك أيضا لا بيوت شعر كالتي كانت تسكنها شخصياتها العائلية الحقيقية. في تلك الحكاية تاجر عظيم الثراء اعتاد أن يسافر للحج مرة كل عامين تقريبا، فيقضي عاما كاملا في رحلة الحج على ظهور الجمال، كالسائد في تلك الأيام الخوالي، ويقضي عاما آخر في بيته مع زوجة جديدة ووحيدة. لكن لماذا جديدة ووحيدة يا جدتي؟ لأنه ما أن يتزوجها ويقضي معها سنة كاملة حتى يرحل للحج بعد أن يشترط عليها أن تمضي عامها الذي سيبتعد فيه عنها وحيدة في قصرها الفخم المزود بكل احتياجتها خلال ذلك العام، فلا ينبغي لها أن تستقبل فيه أي كائن بشري على الإطلاق وليس عليها سوى أن تنتظر عودته بعد عام أو أقل قليلا. وكن يوافقن واحدة تلو الأخرى على هذا الشرط الغريب، مقابل الامتيازات المادية التي يوفرها الزوج والوعود المستقبلية التي يعدهن بها. لكنه ما أن يعود من رحلته الطويلة حتى يجد الزوجة المنتظرة جثة هامدة في زاوية من زوايا القصر، فيأمر بدفنها ويبدأ البحث عن زوجة جديدة. كلهن؟ كلهن يا جدتي؟ هل كان يضع لهن السم في الطعام الذي كان يتركه لهن مثلا؟ ألم تقاوم ذلك المصير واحدة منهن على الأقل؟ تبتسم جدتي وهي تدس يدها في جيبها وتخرج لي بعض كنوزه الدائمة من الزبيب واللوز تعاطفا مع أساي الذي يقترب من البكاء على مصير أولئك السيدات اللواتي يمتن وحيدات في القصر من دون أن يعرف أحد لماذا ولا كيف. آخذ منها اللوز والزبيب وأغير من وضعية رأسي في حجرها وأتلهف لبقية الحكاية. آخر زوجاته كانت في استقباله بالعود والبخور وماء الورد والابتسامات عندما فتح الباب منتظرا أن يجدها جثة ينخرها الدود كرفيقاتها السابقات، لكنه لمح من بعيد، قبل أن يبدي عجبه الممزوج بالفرح، هيئة سيدة تجلس وسط القاعة الكبيرة للقصر وهي ترتدي عباءتها السوداء وتعطي ظهرها للباب حيث يقف الآن هو وزوجته. تبدل فرح الزوج إلى غضب شديد على تلك الزوجة التي خانت عهده وخالفت الشرط الأساسي لارتباطهما.. لكن الزوجة ضاعفت من ابتسامتها وهي تسبقه إلى القاعة حيث تجلس المرأة المجهولة صامتة بلا حراك. وقفت أمامها وقالت لزوجها الذي بلغ غضبه مداه: تعال لأعرفك على صديقتي التي بقيت معي هنا في القصر طوال الستة شهور الأخيرة.. تؤنس وحدتي وتستمع لحكاياتي وبكائي وشكاواي وأغنياتي أحيانا، وتنصت لي وأنا أهمس لها بأسراري و... و... وقبل أن تكمل الزوجة جملتها كان الزوج قد اقترب من المرأة الجالسة بلا حراك فمد يده ليسحبها من عباءتها معنفا لها على دخول قصره والإقامة فيه بلا إذن منه، لكنه فوجئ بها وهو يحاول سحلها أنها انقلبت على جنبها الآخر.. محدثة دويا خافتا، وبدأ دود أسود ينسرب من تحت العباءة في كل اتجاه. عندما سمعتُ بخبر الدود الأسود وهو يتجه في كل اتجاه انكمشت بين يدي جدتي، خوفا، وأنا أحثها أن تكمل الحكاية لأعرف مصير تلك السيدة الجريئة التي خالفت أوامر زوجها المشددة. لكنها لم تخالف أوامره.. بل احتالت على وحدتها بصنع تلك المرأة من العجين ثم ألبستها بعض ثيابها وأجلستها في ذلك الموضع لتكون معها في وحشة الزمن البطيء في غياب البشر عنها. كانت العجينة قد يبست تماما فنخر بطنها ذلك الدود واستقر فيه.. وكان يزداد كل يوم مع تزايد الحكايات والأسرار والأغاني التي تلقيها سيدة القصر على سيدة العجين.. لو لم يجد أمامه جسدا من العجين لبقي في الجسد المخلوق من الدم واللحم والعظم حتى قتله وتركه جثة كما فعل ببقية الزوجات اللواتي قضين نحبهن صمتا في وحشة القصر ووحدتهن فيه. كان الزوج قد بهت تماما أمام المشهد المهيب واستسلم لأفواج الدود وهي تحيطه بينما استسلمت أنا للنوم في حضن جدتي مطمئنة لمصيري في ظلال الحكاية الحزينة بالرغم من ختامها المنتصر لبلاغات النساء وحيلهن المبتكرة في مواجهة الذكور الغاضبين.. بلا سبب غالباً.