كان محمد المبارك أحد أفضل اللاعبين في الحي. كل فريق في الحارة يتمنى أن يلعب له. يجيد اللعب في كل المراكز إثر رشاقته ومهاراته العديدة. كان نجما ذائع الصيت خلاف رفاق فصله الذين لا يعرفهم سوى أهلهم. لم تقتصر شهرته على حيه، إذ امتدت إلى الأحياء وحتى المدن المجاورة. تميزه الكروي جعل المدرسة في ذيل اهتماماته. يغيب بالأيام ويسقط في الاختبارات. تخرج زملاؤه في الثانوية، بينما ظل يراوح مكانه. لا يستطيع اجتياز الصف الأول الثانوي. يعيد العام الدراسي تلو الآخر حتى تحول إلى الدراسة المسائية ثم هجر المدرسة. عمل في عدة وظائف برواتب زهيدة دون أن يصمد في أي منها أكثر من ستة أشهر. اقترحت عليه عمته أن يرافقها في عملها في مدينة نائية كمحرم وستعطيه ثلاثة آلاف ريال شهريا دون أن يقوم بأي شيء. وافق دون تردد، فهو لا يملك الكثير من الخيارات. كان أكثر ما يستمتع به في غربته الجديدة العصائر الطازجة التي تعدها له عمته. عرضت على عمته فكرة أن يفتتح محل عصائر، تقوم هي بإعداد العصائر، ويقوم هو ببيعها، على ألا يفتح إلا بعد العصر ولمدة ثلاث ساعات بسبب ضيق وقت عمته التي تعمل معلمة في النهار. هذه المدة القصيرة، إضافة إلى طعم العصير اللذيذ، جعل المحل مزدحما طوال الوقت. كانت الزبائن تصطف بالطوابير للحصول على عصير رمان أو كوكتيل مع آيس كريم. أحب محمد هذا المحل الصغير أكثر من كرة القدم التي وقع في غرامها صغيرا. أصبح يتجول في الإنترنت بحثا عن نكهات جديدة يضيفها إلى قائمته. بعد نجاح امتد أكثر من عامين، عادت عمته إلى مسقط رأسها بعد أن جاءها النقل، في حين استمر محمد في هذه المدينة النائية. أحس أنها مدينته، ففيها كبرت أحلامه واستعاد بريقه المفقود. لم يكتف محمد بهذا المحل، افتتح أكثر من فرع، وقام بإضافة خدمة التوصيل، وبعد أن كان لا يفتح إلا بعد الظهر أمسى يفتح طوال اليوم. أمسى محمد يوصل العصائر الطازجة إلى مكاتب الموظفين والمنازل، ويضيف مع كل طلبية رسالة يكتبها بخط يده، يقول فيها: "أشكر عمتي صاحبة الفضل في افتتاح هذا المحل؛ لأنها جعلتني أصل إليكم". تعددت نشاطات وأعمال محمد، وكانت عمته السبب فيما وصل إليه بعد الله. إن الامتنان لأحبتنا يزيدنا تألقا.. إنه الرصيد الوحيد الذي كلما أخذت منه ازداد وتضاعف.