لا أرغب في فتح ملفات الماضي وما كتبنا وما كتب غيرنا وما انتهت إليه الأمور في وزارة الصحة، ولكنني أرغب في توجيه عناية معالي الوزير المكلف عادل فقيه لنظرة مستقبلية في عدة أمور، بعضها على مستوى المستشفيات والمنشآت الصحية، وبعضها على المستوى المناطقي، وأخرى على المستوى الوطني. وأول تلك الأمور على مستوى المنشآت الصحية هو مستوى النظافة والإشراف. فالوزير يعلم أن النظافة والتطهير وتشغيل وصيانة المعدات الطبية وغرف العمليات رأس الأمر كله، ولذلك يستحسن أن تسلم هذه المسألة في المستشفيات لشركات متخصصة لا يشترط أن تكون سعودية، وتخضع لإشراف مزدوج محلي مباشر من خلال من يتلقون الخدمة، وإشراف وطني غير مباشر من الوزارة. وما دعاني لتقديم هذه المسألة على غيرها هو ما نراه من تسيب في المستشفيات والمنشآت الطبية التي تدار بعقود التشغيل الذاتي التي أصبح مسماها مرادفا لمسمى (الاستغلال الذاتي) للقائمين عليها في معظم الجهات الحكومية، وخصوصا الصحية، ما دفع بالعديد من الأطباء والممرضين للمبادرة بشراء احتياجاتهم من الأدوات الطبية والشاش واللفائف والمطهرات على حسابهم الخاص؛ لعلمهم بأنها لن توفر، وأن الإلحاح بالمطالبة بها سيؤدي لإلحاق الأذى بهم وبمستقبلهم الوظيفي. وثاني تلك الأمور حال الصيدليات ووفرة الأدوية. فلا يمكن لمواطن يعالج في مستشفيات وزارة الصحة أو مراكزها الصحية أن يراهن على استمرارية حصوله على الأدوية اللازمة، ومنها على الخصوص أدوية الأمراض المزمنة وغالية الثمن. أما حال الصيدليات التنظيمي من حيث التخزين السليم ونظم الصرف والتسجيل وإعادة الطلب ومتابعة تواريخ الانتهاء والتأكد من فعالية الدواء، خصوصا المصنع محليا، فحدث ولا حرج حد أن قناعة تربت لدي بأن كل هذه الفوضى مقصودة بهدف الاستيلاء على الأدوية الغالية وتمييع تبعات المسؤولية والمحاسبة. أما على المستوى المناطقي، فآمل النظر أولا في إعادة الأمور إلى نصابها بإلغاء المركزية الخانقة التي فرضت على الجميع وهمشت أدوار مديري الشؤون الصحية على مستوى المناطق تهميشا مؤذيا، حتى أصبح صرف بعض وصفات الأدوية أو تحويل مريض للعلاج في مستشفى تخصصي محلي أو دولي شأنا وزاريا، وربما احتاج إلى موافقة سامية. وأصبحت شؤون المناطق الإدارية تدار عن طريق لجان وزارية جل همها البحث عن الانتداب والبدلات والمكافآت. فكيف بالله يمكن للشأن الصحي لأكبر دولة من حيث المساحة والثروة في المشرق العربي أن تدار بمجلس صحي موحد وبلجان مكوكية غير متفرغة يفكر أعضاؤها بالعودة قبل الذهاب؟ ثم من يقوم بأعمالهم في الوزارة أثناء انهماكهم بهذه الجولات في مناطق لا يعرفون عن دواخلها شيئا؟ الأمر الثاني النظر في تفعيل دور اللجان الطبية على مستوى المناطق، بإعادة كافة الصلاحيات التي سحبت منها حتى تصبح مرجعية نهائية وليست معبرا للجان أخرى تملك القرار في الرياض. أما الأمر الثالث، فيختص بالعمل على التوسع في المختبرات الطبية البحثية وعدم حصرها بمختبرات إقليمية موحدة. فلا بد أن تكون المختبرات كثيرة حتى على مستوى المراكز الصحية حتى لا تحال للمستشفيات إلا الحالات المرضية الصعبة. أما على المستوى الوطني، فآمل النظر أولا في تفعيل دور المراكز الصحية والتوسع بها وتزويدها بكفاءات كافية ومختبرات وأدوية لتصبح خط الدفاع الأول عن صحة المواطن وتقوم بدور طبيب الأسرة ومرجعيتها الصحية على مستوى الأحياء والقرى. فالذي يحصل الآن هو أن من يراجع المركز الصحية ولا يحصل على علاج يراجع المستشفى بعد ذلك ليحصل عليه، وإن لم يجده يذهب لمستشفى ثانٍ وثالث.. وهكذا، بحيث يشغل وقت أكثر من طبيب ومستشفى لمجرد أنه لم يحصل على الدواء في المركز الصحي القريب من بيته. الأمر الثاني ذو علاقة بالمستشفيات التخصصية التي كانت تتيح فرصة العلاج لمن يرغب بالعلاج على حسابه الخاص أو وثيقته التأمينية المناسبة، وبعد منعها من ذلك ذبلت وتردى مستواها وتسربت منها الخبرات العالمية النادرة لعجز وزارة الصحة عن تعويضها عن مواردها المالية الإضافية التي كانت بمثابة شرايين إضافية تضخ الدم في عروقها وتمكنها من دفع رواتب مجزية واستقطاب خبرات مميزة. ولا أبلغ في التعبير عما أقول إلا حال المستشفى التخصصي بجدة بعد ضمه للوزارة وتخفيض رواتب أطبائه والعاملين فيه، وما يعانيه حاليا من صراع من أجل البقاء. أما الأمر الثالث، فقد تنبه له معالي الوزير عادل فقيه ويتمثل في ضرورة (نقل) وليس (إغلاق) مستشفيات الحجر الصحي من المناطق السكنية إلى مناطق مفتوحة تساعد المرضى على سرعة الشفاء وتحمي السكان من مزيد من الانتشار الوبائي للأمراض. وفي هذا الاتجاه أشكر معالي الوزير على وقف تحويل المصابين بفيروس ميرس (كورونا) إلى مستشفى الملك سعود في حي المحمدية المكتظ بالسكان على شارع الأمير سلطان شمال جدة. وأتساءل: كيف تجرأ مدير الشؤون الصحية في محافظة جدة على تحويلهم أصلا لهذا المستشفى؟! ويبقى الأمر السابع والأخير وهو ذو شقين، أحدهما المستشفيات المكتملة البناء التي لم تشغل لسنوات طويلة لأسباب غير مفهومة للمواطنين، أما الشق الآخر فيتمثل في الإبطاء الذي يبدو متعمدا في إكمال مشاريع الوزارة تحت الإنشاء، ما دفع بأمير إحدى المناطق الإدارية تحت إلحاح الحاجة وشكوى المواطنين إلى توجيه إنذار للوزارة بضرورة الإسراع في استكمال بناء مستشفى متعثر في منطقته لأكثر من خمس سنوات، وبمدير عام الشؤون الصحية في منطقة أخرى تحت ضغط شح الأسرة، سواء بالطوارئ أو بالعناية المركزة في المستشفى الوحيد في منطقته، بالرفع مرة بعد الأخرى لوزارة الصحة لاعتماد المبالغ اللازمة للتشغيل ولكن دون جدوى. وأخيرا، لا بد من شكر وزير الصحة المكلف على الجهود الجبارة التي يبذلها حاليا للسيطرة على الانتشار الوبائي لفيروس (ميرس) في مختلف أنحاء المملكة، ونعلم أننا نأمل منه المستحيل أو شبه المستحيل، ولكننا لا نستكثر الآلام والأحلام، فهي مجانية، وما يمكن للمسؤول المجتهد من تحقيقه منها نقابله كمواطنين بالشكر والذكر الحسن.. وهل يتبقى لأي منا بعد عمر طال أو قصر غير ذلك؟.