قبل أيام تداول الإعلام - الغربي بالدرجة الأولى - قصة الشاب الهولندي بويان سلات (Boyan Slat) (٢٢ سنة) الذي أسس مشروع «تنظيف المحيطات» (The Ocean Cleanup). بدأت الفكرة بالنسبة له كمشروع في المرحلة الثانوية بعد أن ذهب للغوص أثناء إجازته في اليونان عام ٢٠١١ ودهش بكمية أكياس البلاستيك التي وجدها في الأعماق. في سن السادسة عشرة أشغله الأمر لدرجة أنه عمل عليه كمشروع للمدرسة ولم يتوقف منذ ذلك الوقت عن إيجاد حل لتنظيف المحيطات. البلاستيك والنفايات بشكل عام تعتبر من المشاكل البيئية الكبرى والتي لم يتواجد لها حل مجدٍ وذي تأثير واسع بعد. هناك حلول تحاول ترشيح النفايات بالقرب من الشواطئ قبل أن تصل إلى المحيطات. أما الحلول المقترحة في المحيطات فهي مكلفة وقليلة الأثر. مقترح سلات يستخدم التيارات في المحيطات كقوة تساعد في تجميع النفايات بشكل طبيعي وذلك بوضع حواجز وشباك تثبت في الأعماق وتجرف النفايات وبهذا يتوقع أن يزيل ٥٠٪ من النفايات في فترة ٥ سنوات. إنها فكرة مذهلة وطموحة لها أبعاد تقنية ومنافع بيئية لن أتناولها هنا. الجدير بالذكر أن فكرة الحل المبدئي كانت لديه منذ البدايات وأنه خاطب أكثر من ٣٠ شركة لتدعمه في مبادرته دون أن يجد منهم تجاوبا. إلا أنه من خلال منصة مؤتمرات تيد اكس (TEDx) كان له انتشار وشهرة ولاقى من بعد ظهوره الدعم. أسس شركة وتم تمويله بأكثر من ٣١ مليون دولار ويعمل لديه حاليا ٣٥ من العلماء والمهندسين لدراسة كل الاحتمالات وتطوير المشروع والرد على المشككين. فما أن يشكك عالم أو يثير تساؤلا حتى تدرسه شركته وتطور الفكرة. يتوقع إطلاقها بعد عام وحينها سوف تظهر النتيجة من نجاح أو فشل. على حد قوله فإن جميع أبحاث التطوير ليس الهدف منها إثبات أنهم على حق، بل تعلم ما لا يعمل وهكذا يستمر العمل والتطوير والتعلم. إن أكثر ما لفت نظري ليس المشروع بل هو هذا الشاب الذي رغم صغر سنه ومرحلته التعليمية تبنى مشروعًا ضخمًا يخدم العالم بأكمله. تهمني البيئة التي نشأ وتعلم بها. ما نوع التمكين الذي عاشه؟ وكيف تشكل حسه بالمسؤولية؟ ما الذي جعله ينظر إلى محيط بعيد عن محيطه القريب؟ وما الذي يجعله يصمد رغم كل الإخفاقات المرحلية والضغوط التي مر بها؟ البعض يظن أن الناجح ناجح بطبيعته ويستسهل الطريق مقارنا باستخدام عدد كبير من كلمة «لو». «لو كان لدي ما لديه» و«لو كان تعليمي كتعليمه» و«لو أعطيت الفرصة» وغيرها الكثير. الحقيقة أن الحياة بها فرص ولكن جزءا كبيرا من هذه الفرص هو من صنعنا. هناك صفات شخصية تسهل علينا طريق النجاح مثل الشغف والإصرار وحب العلم والدافع القوي الذي ينبع من الإحساس بالمسؤولية واعتبار الفشل مرحلة تعلم وليس النهاية. نضيف لها بيئة داعمة وأهدافا سامية ولعلنا نجد في جيلنا هذا عددا كبيرا من العلماء الذين سوف يغيرون العالم.