نحن متفقون على أن الكمال لله- تبارك وتعالى- والعصمة لرسول الله- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولذا فإنه لا كمال لبشر، ولا عصمة إلا لنبي!.. والحكمة تقول: (إن كنت تجرأتُ في مقامكم فالعصمة لا تكون إلا لنبيّ، وليس في البشرية من لا يُنتقد). لذلك يجب أن ندرك أن كل عمل يقوم به الإنسان قابل للنقص ومحل للنقد، لأنه صادر من بشر، وحيث إن كلمة "إنسان" لها من الصفات المرتبطة بها كالسهو والنسيان، فلابد أن يكون له من النقص نصيب ولا كمال لأي عمل مطلق، فالله الواحد الأحد هو صاحب صفة الكمال المطلق. وصدق من قال (كل عمل إنساني كماله في نقصه). ونحن جميعًا نجتهد ونسعى من أجل الوصول إلى الكمال، ولكن الإنسان دائمًا هو الإنسان، وكلنا معرضون للمعوقات والعثرات، من هنا يجب أن لا ننزِّه أنفسنا عن الخطأ، فالخطأ صفة من صفات البشر، وهو دليل تقصيرنا في بعض ما نريد عمله. أقول هذه الكلمات وأنا أستمع إلى بعض الجلساء حينما ينتقدون الآخرين فأشعر بأن هناك نقدًا أخويًا بناءً، نقد المحب الوفيّ.. وهذا أمر مقبول، ولكنني في الوقت ذاته أشعر بأن آخرين ينتقدون- دون تحفُّظ- نقدًا لهم من ورائه مقاصد أخرى، فهذا هو النقد الذي دافعُه الغيرة والحسد، قال تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) سورة الحشر (10)، والغريب أن هؤلاء المنتقدين يرون أنفسهم فوق مستوى النقد.. لأنهم يدَّعون أنهم أصحاب العلم والمعرفة، وبذلك لا يسمحون لأحد أن ينتقدهم!! إنهم يرفضون حتى أسلوب الطرح للموضوع.. عجيب هذا الصِّنف من البشر الذي يزكِّي نفسه! ألم يستمع هؤلاء إلى قول الله تبارك وتعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) سورة النجم (32) تراهم يبيحون لأنفسهم الاعتداء على مواهب الآخرين ونقدها دون استحياء ولا خشية ولا خجل! ألا ينظر هؤلاء من أيِّ شيءٍ تكوّنوا؟! والغريب أنك تراهم يتطاولون على الآخرين ويشككون في قدراتهم، ويحرمون على غيرهم أن يمس أفكارهم.. وهذا أمر عجيبٌ وغريبٌ حقًا.. فالله المستعان على ما يعتقدون، وهناك آخرون ينتقدون لمجرد أنهم وجدوا الآخرين ينقدون فقط. ونقول لكل ناقد ناصح: لابدَّ وأن تتحلَّى بالعدل وبالعلم، والحلم والإخلاص، كما أنه يجب عليك أن تكون من الذين لهم باعٌ بأساليب النقد، وأصول التعامل في هذا الاتجاه وتقيس الأمور بميزان العلم، ولا تُوقع نفسك في شَرَك الجهالة، حينئذ تندم حيث لا ينفع الندم ولا يفيد. أما النقد بالتَّجريح، والتَّطاول على الآخرين؛ فهو أسلوب مرفوض، وهو تهجُّم أعمى، ولو وضع الناقد نفسه محل المنتقَد، فقد لا يستطيع أن يفعل مثل الذي انتقده، فيجب أن يتحلى الناقد بسلامة الصَّدر، فينتقد من أجل أن يجعل الموضوع الذي ينتقده في أحسن صورة، ولا يستخرج منه السيئ فقط ويُظهره، إنما يستخرج أيضًا الحسن ويمتدحه، فهذا في كفة الميزان والآخر في الكفة الأخرى، هنا يصبح النقد بناء وموضوعيًا يفهم لدى الآخرين.. ألم تسمعوا قول الرسول- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّه لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْل) وعلى المنتقَد ألا يتألم من النقد، بل عليه الاستماع لرأي الآخرين.. ويقول الخبراء تحت عنوان: "كيف تتجنب القلق من النقد؟" هناك قواعد للنقد: 1- الانتقاد غير العادل جهالة يبطن تحته صفة من صفات الحسد، فلا تكن منتقِدًا في كل لحظة وحين، وعليك بأن تعرف متى تنتقد ليستفيد منك المنتقَد، وهنا لابد وأن نتذكر أنه قد يمر علينا شخصٌ أو أشخاص من ذوي العقول الناقصة وهم في الأصل لا يتمتعون بالحكمة في منطقهم، ولم يتوفر لهم سوّية التَّعقل، من هنا يجب الرفق بهم ما استطاع المرء أن يرفق بهم. 2- ابذل ما تستطيع من جهد بأمانة وصدق، ثم استظل بمظلتك القديمة لتتجنب مطر الانتقاد خشية أن يتسرب إلى عنقك. 3- احتفظ بالأشياء التافهة التي ارتكبتها، وحاول ألا تتكرر منك، وما دمنا لا نستطيع أن نكون كاملين فلنفعل ما يفعله الخيّرون أهل الصَّلاح والتُّقى، ولنطلب الانتقاد غير المتحيِّز، ولنكن واجهةً مساعدةً في انتقادنا للآخرين، ولا يكن انتقادنا بمثابة التَّجريح. نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج والرعاية الأسرية بمكة المكرمة