ما زال المجتمع البريطاني يعيش في أجواء الذكرى العاشرة التي صادفت الأربعاء الماضي، لتفجيرات لندن الانتحارية عام 2005 والتي أودت بحياة 56 شخصاً وجرح 750 آخرين، علاوة على مقتل 30 آخرين في الهجوم الإرهابي الذي وقع الشهر الماضي في تونس، حيث أفاد مصدر أمني بريطاني رفيع المستوى أن تفجيرات 7/7 كانت أفظع هجوم تتعرّض له الأراضي البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية، وكشف أن الهجوم أرغم بريطانيا على إجراء تغييرات بعيدة المدى على أجهزتها الأمنية كافة، خصوصا جهازي الأمن الداخلي «إم آي 5» والخارجي «إم آي 6» ومركز التنصت والمراقبة السلكية واللاسلكية والإلكترونية «جي سي إتش كيو» في مدينة تشلتنهام، غرب إنكلترا، على نحو أنقذ بريطانيا من سلسلة هجمات إرهابية لاحقة، لكن المصدر أكد أنه «رغم ذلك لا تزال بريطانيا معرّضة لخطر وقوعها ضحية لهجمات إرهابية جديدة». فوفقاً للمصدر، أجرى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الأسبق يوم وقوع التفجيرات في وسائل النقل العامة في لندن اجتماعاً مع قادة الأجهزة الأمنية حضره وزير داخليته تشارلز كلارك السابق للاطلاع على حقيقة ما حصل، وعندما خرج من الاجتماع قال بلير لكلارك «إن قوانين اللعبة اختلفت». وزاد من الشعور بالرعب في الشارع البريطاني أن أربعة شبان أصوليين حاولوا بعد أسبوعين من التفجيرات في محطات قطارات الانفاق الثلاثة وحافلة الركاب تنفيذ هجوم مشابه، ومع أن الهجوم أجهض، إلا أنه ترك انطباعاً عاماً لدى البريطانيين بأن أحداً منهم لم يعُد آمناً. وتابع المصدر أن «التغييرات التي جرت في أجهزة الأمن البريطانية أفشلت عدداً من المؤامرات لتنفيذ هجمات إرهابية، وخلال السنوات العشر التي تلت تفجيرات لندن الانتحارية لم يُقتل أي بريطاني سوى لي رغبي، جندي وولتش الذي ذبح بالسكين على يد أصوليين نيجيريين في مايو 2013». لكن المصدر تابع: «مع ذلك، فإن الخطر الإرهابي الذي يتهدد حياة البريطانيين خارج بريطانيا تضاعف خلال هذه الفترة، حيث قتل عدد ليس بسيطاً منهم في أماكن مختلفة في عمليات إرهابية كخطف الرهائن وقطع رؤوسهم، ثم الهجوم الأخير الذي تعرّض له السياح البريطانيون الشهر الماضي في تونس، إضافة إلى إعلان وزيرة الداخلية البريطانية الحالية تيريزا ماي أن بريطانيا أفشلت خلال السنوات العشر الماضية 40 هجوماً إرهابياً كبيراً». أولاً، تغيير جرى على طريقة عمل أجهزة الأمن كان وضع حد لتصرف كل جهاز كأنه لا علاقة له بالأجهزة الأخرى، خصوصا جهاز التنصت والمراقبة، حيث اضطرت الأجهزة الثلاثة («إم آي 5» و«إم آي 6» و«جي سي إتش كيو») إلى التنسيق باستمرار في ما بينها وما زال هذا التنسيق قائماً إلى اليوم ويُعزى له النجاح الذي تحقق في إفشال الكثير من المخططات الإرهابية. ثانياً، خُصصت موازنات إضافية للأجهزة الثلاثة وجرى تحديث أجهزتها الإلكترونية وشراء أجهزة أكثر تطوراً. ثالثاً، زيادة عدد العاملين في الأجهزة الثلاثة، على نحو ضاعف على سبيل المثال عدد العاملين في جهاز «إم آي 5» ليصبح عددهم 4000 موظف، كما جرى افتتاح مكاتب لهذه الأجهزة في مدن ومناطق أخرى، بدلاً من تركيزها في لندن، كما كان عليه الوضع قبل هجمات 7/7. ولا تخفي أجهزة الأمن البريطانية أنها عملت على اختراق الجاليات الإسلامية في بريطانيا وأنشأت شبكة من العملاء والمخبرين لها من أبناء هذه الجاليات نساء ورجالا، حيث ذكرت صحيفة «الغارديان»، أن «بعض العملاء ومخبري أجهزة الأمن البريطانية من المسلمين يتقاضون رواتب مجزية». ويرى المسؤولون في أجهزة الأمن البريطانية أن التهديدات الإرهابية من باكستان وأفغانستان تضاءلت، فيما ازداد في المقابل حجم التهديدات الإرهابية من الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وشمالها. بل أصبحت «الدولة الإسلامية» (داعش) تشكل مصدر الخطر الرئيس، ليس فقط على بريطانيا بل على الغرب عموماً. ووفقاً لأجهزة الأمن البريطانية، لوحظ ارتفاع نوعي في عدد المتطرفين في بريطانيا في السنتين الأخيرتين. فعقب تفجيرات 7/7 وضعت أجهزة الأمن البريطانية قائمة بأسماء الأشخاص الذين جرى تصنيفهم على أنهم متطرفون وعلى استعداد للانخراط في أنشطة إرهابية فكان عددهم 2000 متطرف، لكن قبل سنتين أخذ هذا الرقم في الارتفاع ووصل عدد هذا النوع من المتطرفين الى 3000 متطرف، الأمر الذي يُنظر إليه بقلق شديد داخل الأجهزة الأمنية. وذكر المصدر الأمني السابق أن بريطانيا اضطرت إلى تجريد ثلاثة مواطنين بريطانيين من جنسياتهم، اثنان منهم من أصل لبناني والثالث من أصل مصري، من دون إعطاء الأسماء، وذلك بعد اتضاح أنهم سافروا من بريطانيا بجوازات سفرهم البريطانية للالتحاق بتنظيمات إرهابية. فيما اتضح أن عدداً من المواطنين البريطانيين قتلوا في هجمات تعرّضت لها مواقع التنظيمات الإرهابية في أماكن مختلفة في أفريقيا والشرق الأوسط وباكستان.