هكذا يأتي العيد عبر سنوات العمر خالصا لوجه البياض حينما حاصرته دائما بتكرار طقوسي القديمة منذ أكثر من ثلاثين عاما حيث منابت السنين الأولى في قريتي التي تنتظر العيد كل عام لتجدّد حضورها فيّ، وتستعيد حوارها الطفوليّ معي.. حيث شيخ كان صديقا لأبي يعرفني من خلال ملامحه فيّ فيعيد لي سيرة النخلة والبحر وأزمنة الحنين، وآخر يكرّر دعاءها له بالرحمة كلما رآني في صدر مجلسه القديم أجاهد كثيرا كي أشغر مكانه الخالي منذ حوالي ربع قرنٍ من الزمان.. هكذا هو العيد..مدينة من الفرح لاتقيم فيها إلا الأزمنة المتصالحة مع ذاتها، ولا نزور فيها إلا ذكرياتنا المعتّقة بالشجن والحنين وطفولة الأحلام، أضواؤها نجومٌ لاتغيب حتى في الظهيرة، وظلالها أناسٌ طيبون يكرِّرون عليك تحياتهم واحتفالاتهم بلقائك.. نهارها أشبه بالسفر عبر الوجوه العابرة وتتبع العطر في خطاها عبر شوارع القرية الطينية النشطةِ بعودة الراحلين عنها إليها، وليلها شارع مفتوح على السمر القديم وتبادل الضحكات والأغنيات الشعبية المستعادة في كل عام.. *** حينما تساءل جدي المتنبي (عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ ياعيدُ) كان يدرك حقيقة التغيّر فيه ومنه ومعه حتى وهو لايدرك ذلك.. ويدهشني فعلا أن يؤخذَ هذا البيت على العيد لا له، حينما يمثّل هذا البيت وجدًا على العيد واعترافا له كمناسبة تحمل الجديد المفرح والقديم المستعاد معا.. *** (فاصلة) (عيدٌ بأية حالٍ عدتَ ياعيدُ لما مضى أم لأمرٍ منك تجديدُ) عيدٌ وأي انكسارٍ في دمي بزغتْ شموسه من وراء الليلِ ياعيدُ ما بينَ رجلي وشحّ الدربِ زوبعةً وبين صوتي وصمتي تشهقُ البيدُ..! لزفرةٍ بين أضلاعي تزمزمني وميت في دمي بالموتِ محسودُ أظلُّ أُدلجُ بالأحزانِ قافيتي فيشرق الشعرُ لا فجرٌ ولا عيدُ